الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " وإن كانت بهيمة فنتجت قبل التفرق ثم تفرقا ، فولدها للمشتري : لأن العقد وقع وهو حمل " .

قال الماوردي : وهذه المسألة مبنية على أصلين :

أحدهما : ملك المبيع بماذا ينتقل إلى المشتري : وفيه ثلاثة أقاويل مضت .

والثاني : في الحمل ، هل يأخذ قسطا من الثمن أو يكون تبعا ؟

على قولين :

أحدهما : يكون تبعا ، ولا يأخذ من الثمن قسطا كالسمن والأعضاء : لأنه لو أعتق الأم سرى العتق إلى حملها كسرايته إلى أعضائها التابعة لها .

والقول الثاني : يأخذ قسطا من الثمن كاللبن : لأنه لو أعتق الحمل لم يسر العتق إلى أمه ، ولو كان تبعا لها كأعضائها لسرى عتقه إليها كما يسري عتق أعضائها إليها .

فإذا ثبت هذان الأصلان : فصورة مسألة الكتاب في رجل ابتاع بهيمة حاملا ، فوضعت بعد العقد وقبل الافتراق .

فإن قلنا : إنه يأخذ قسطا من الثمن ، صار العقد كأنه قد تناولهما معا .

فإن تم البيع كان الولد للمشتري مع الأم .

[ ص: 61 ] وإن انفسخ البيع كان الولد للبائع - وهذا على الأقاويل كلها - ويكون الولد مضمونا على البائع ، حتى يسلمه ، ومضمونا على المشتري إذا تسلمه .

وإن قلنا : إن الحمل تبع : فلا . يخلو حال البيع من أن يتم ، أو ينفسخ : فإن تم البيع : فحكم الولد مبني على الأقاويل الثلاثة في انتقال الملك .

فإن قلنا : إن الملك ينتقل بنفس العقد ، أو قلنا : إنه مراعى ، فالولد للمشتري ، لحدوثه في ملكه .

وهل يكون مضمونا على البائع ، حتى يسلمه ؟ على وجهين مخرجين من اختلاف قوله في نماء الصداق .

هل يكون مضمونا على الزوج أم لا ؟

وإن قلنا : إن الملك لا ينتقل إلا بالعقد وقطع الخيار ، ففي الولد وجهان مبنيان على اختلاف أصحابنا في خيار المجلس ، هل يجري مجرى خيار العيب أو مجرى خيار القبول ؟ على وجهين :

أحدهما : أنه يكون للمشتري ، وهذا إذا قيل : إنه يجري مجرى خيار العيب .

فعلى هذا هل يكون مضمونا على البائع إذا كانت الولادة قبل التسليم ؟ على وجهين :

والثاني : أنه يكون للبائع ، وهذا إذا قيل : إنه يجري مجرى خيار القبول .

فعلى هذا لو كانت الولادة بعد التسليم ، لزم المشتري رده ، ولم يكن مضمونا عليه إلا بالتعدي وجها واحدا : لأن المشتري يضمن المبيع في حق نفسه ، فلم يلزمه ضمان النماء في حق غيره ، ولما كان البائع يضمن المبيع في حق غيره ، جاز أن يلزمه ضمان النماء في حق غيره .

فصل : وإن انفسخ البيع بينهما :

فإن قلنا : إن المشتري لا يملك إلا بالعقد وقطع الخيار ، أو قلنا : إنه موقوف مراعى ، فالولد للبائع ، وهو أمانة في يد المشتري لا يضمنه إلا بالتعدي .

وإن قلنا : إن المشتري قد ملك بنفس العقد فعلى وجهين :

أحدهما : أن الولد للبائع إذا قيل : إن هذا الخيار يجري مجرى خيار القبول ، ويكون أمانة في يد المشتري .

والوجه الثاني : الولد للمشتري إذا قيل : إن هذا الخيار يجري مجرى خيار العيب .

وهل يكون على البائع ضمانة أم لا ؟ على وجهين :

وكذا الحكم في كل نماء حدث بعد العقد وقبل قطع الخيار من ثمرة ، وكسب ، كالولد سواء والله أعلم .

[ ص: 62 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية