الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
قال الماوردي : وهذا صحيح . والربا ضربان : نقد ، ونساء .

وأما النساء : فهو بيع الدرهم بالدرهمين إلى أجل ، وهو المعهود من ربا الجاهلية والذي قد أجمع على تحريمه جميع الأمة .

وأما النقد : فهو بيع الدرهم بالدرهمين يدا بيد ، فمذهب جمهور الصحابة وكافة الفقهاء تحريم ذلك كالنساء ، وذهب خمسة من الصحابة إلى إحلاله وإباحته وهم : عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن الزبير ، وأسامة بن زيد ، وزيد بن أرقم ، والبراء بن عازب تعلقا بخبرين :

أحدهما : ما استدل به ابن عباس أن أسامة بن زيد روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إنما الربا في النسيئة " . فلما أثبت الربا في النسيئة دل على انتفاء الربا في النقد .

والثاني : ما رواه عمرو بن دينار عن أبي المنهال قال : باع شريك لي دراهم بدراهم بالكوفة وبينهما فضل . فقلت : ما أراه يصلح هذا . فقال : لقد بعتها في السوق فما عاب علي ذلك أحد ، فأتيت البراء بن عازب ، فسألته ، فقال : قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وتجارتنا كذا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ما كان يدا بيد فلا بأس به ، وما كان نسيئة فلا خير فيه " . وأتيت زيد بن أرقم فإنه كان أعظم تجارة منا ، فأتيته فسألته فقال لي مثل ذلك . وهذا نص .

والدلالة على تحريم ذلك أربعة أحاديث :

أحدها : حديث عبادة بن الصامت المقدم ذكره في صدر الباب .

وقوله : " إلا سواء بسواء يدا بيد " .

والثاني : حديث أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الفضة بالفضة والذهب بالذهب سواء بسواء فمن زاد أو استزاد فقد أربى ، الآخذ والمعطي سواء " .

والثالث : حديث مالك بن عامر عن عثمان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تبيعوا الدينار بالدينارين ولا الدرهم بالدرهمين " .

[ ص: 77 ] والرابع : حديث سعيد بن يسار عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما " .

وأما حديث أسامة وقوله " إنما الربا في النسيئة " ففيه جوابان :

أحدهما : وهو جواب الشافعي : أنه جواب من النبي - صلى الله عليه وسلم - لسائل سأله عن التفاضل في جنسين مختلفين ، فقال : " إنما الربا في النسيئة " ، فنقل أسامة جواب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأغفل سؤال السائل .

والثاني : أنه محمول على الجنس الواحد يجوز التماثل فيه نقدا ولا يجوز نسيئة .

على أن ابن عباس المستدل بحديث أسامة رجع عن مذهبه حين لقيه أبو سعيد الخدري وقال له : يا ابن عباس ، إلى متى تأكل الربا وتطعمه الناس . وروى له حديثه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال ابن عباس : يا أيها الناس ، إن هذا ربا كان مني ، وإني أستغفر الله وأتوب إليه . وأما حديث أبي المنهال عن البراء بن عازب وزيد بن أرقم فمنسوخ : لأنه مروي عن أول الهجرة وتحريم الربا متأخر .

التالي السابق


الخدمات العلمية