الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
قال الماوردي : واعلم أن المأكولات قد تختلف جهات أكلها على أنواع ستة :

أحدها : ما يؤكل قوتا كالبر والشعير ، ويتبع هذا النوع التمر والزبيب .

والثاني : ما يؤكل أدما كالزيتون والبصل وقد يلحق بهذا النوع الألبان والأدهان .

والثالث : ما يؤكل إبزارا كالكمون والفلفل ، وقد يدخل في هذا النوع الملح .

والرابع : ما يؤكل تفكها كالرمان والسفرجل . وقد يضاف إلى هذا النوع الخضر .

والخامس : ما يؤكل حلوا كالسكر والعسل .

والسادس : ما يؤكل دواء كالإهليلج والبليلج فيجري الربا في جميعها حتى يجمع بين السقمونيا والبر في حصول الربا فيهما .

وإن كان البر يؤكل قوتا عاما ، والسقمونيا تؤكل دواء نادرا لوجود علة الربا فيهما على سواء ، فما كان من هذه المأكولات مكيلا أو موزونا ثبت فيه الربا على العلتين معا ، وما كان منه غير مكيل ولا موزون ثبت فيه الربا على علته في الجديد دون القديم ، وعليه يقع التفريع ، وأما ما كان مأكول البهائم كالحشيش والعلف فلا ربا فيه : لأن التعليل بالأكل متوجه إلى أكل الآدميين دون البهائم .

فأما ما يشترك في أكله الآدميون والبهائم فالواجب أن يعتبر فيه أغلب حالتيه ، فإن كان الأغلب منهما أكل الآدميين ففيه الربا اعتبارا بأغلب حالتيه كالشعير الذي قد يشترك في أكله الآدميون والبهائم ، وأكل الآدميين له أغلب ، فثبت فيه الربا ، وإن كان الأغلب من حالتيه أكل البهائم فلا ربا فيه كالعلف الرطب الذي قد ربما أكله الآدميون عند تقديمه .

وإن استوت حالتاه فكان أكل البهائم له كأكل الآدميين من غير أن تكون إحدى الحالتين أغلب ، فقد اختلف أصحابنا فيه على وجهين :

أحدهما : لا ربا فيه لأن الصفة لم تخلص .

والثاني : فيه الربا وهو الصحيح لوجود الصفة وحصول الزيادة .

فصل : وإذا تقرر هذا الأصل فسنوضحه بالتفريع عليه وذكر ما اختلف أصحابنا فيه .

اعلم أن الريحان ، والنيلوفر ، والنرجس ، والورد ، والبنفسج ، لا ربا فيها : لأنها قد تتخد مشمومة إلا أن يريب شيء منها بالسكر أو بالعسل كالورد المعمول جلجبين فيصير فيه الربا لأنه صار مأكولا . واختلف أصحابنا في ماء الورد ، هل فيه الربا أم لا على وجهين :

أحدهما : لا ربا فيه اعتبارا بأصله .

[ ص: 105 ] والثاني : فيه الربا لأنه قد يستعمل في الطعام مأكولا .

فأما العود ، والصندل ، والكافور ، والمسك ، والعنبر ، فلا ربا في شيء منها : لأنها طيب غير مأكول .

وأما الزعفران ففيه وجهان :

أحدهما : لا ربا فيه : لأن المبتغى منه لونه كالعصفر .

والثاني : فيه الربا : لأنه مأكول وطعمه مقصود .

فأما الأترج والليمون والنارنج ففيه الربا : لأنه وإن كان طيبا ذكيا فهو مأكول والأكل أغلب حالتيه .

فأما العشار والأشج فلا ربا فيهما وكذلك الشيح لأنها تستعمل بخورا . وأما اللبان والعلك ففيهما الربا ، لأن الأكل أغلب حالتيهما ، وكذلك المصطكى .

وأما اللوز المر والحبة الخضراء والبلوط ففيها الربا : لأنها مأكولة وإن كانت مباحة النبت ، وكذلك القثاء وحب الحنظل .

فأما القرطم وحب الكتان ففيهما وجهان :

أحدهما : أن فيهما الربا : لأنهما قد يؤكلان .

والثاني : وهو أصح أنه لا ربا فيهما : لأن الأغلب من أحوالهما عدم الأكل وإن أكلا نادرا .

وأما الطين فإن كان أرمنيا ففيه الربا : لأنه يؤكل دواء ، وكذلك إن كان مختوما .

وإن كان من غير الأدوية كالطين الذي قد ربما أكله بعض الناس شهوة ، فلا ربا فيه : لأن أكله ممنوع منه فصار أكله كأكل التراب .

فأما الأدوية التي لا تؤكل وإنما تستعمل من خارج البدن طلاء أو ضمادا ، فلا ربا فيها لفقد الصفة .

واختلف أصحابنا في الصمغ فأثبت بعضهم فيه الربا ، ونفى عنه بعضهم الربا لأنه طلاء .

وأما البذور التي لا تؤكل إلا بعد نبتها ، كبذر الجزر والبصل والفجل والسلجم ، ففيها وجهان :

أحدهما : فيها الربا : لأنها فرع لمأكول وأصل لمأكول .

والثاني : لا ربا فيها : لأنها غير مأكولة في أنفسها فجرت مجرى العجم والنوى الذي لا ربا فيه ، وإن كان فرعا لمأكول وأصلا لمأكول .

[ ص: 106 ] والوجه الأول أصح ، بخلاف النوى : لأن النوى لا يؤكل بحال ، وهذه البذور تؤكل ، وإنما يؤخر أكلها طلبا لإكمال أحوالها كالطلع والبلح .

التالي السابق


الخدمات العلمية