الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وكل زيت ودهن لوز وجوز وبزور لا يجوز من الجنس الواحد إلا مثلا بمثل ، فإذا اختلف الجنسان فلا بأس به متفاضلا يدا بيد " .

قال الماوردي : اعلم أن الأدهان على أربعة أقسام :

أحدها : ما كانت من أصول مأكولة وتكون بعد استخراجها دهنا مأكولة كالزيت والشيرج ، ودهن الجوز واللوز .

قال الشافعي : ودهن البطم والصنوبر والخردل والحب الأخضر ، فهذه كلها وما شاكلها مأكولة بعد استخراجها ، ومأكولة الأصل قبل استخراجها ، ففيها الربا : لأنها إن كانت معتبرة بأصلها ، فأصلها مأكولة ، وإن كانت معتبرة بأنفسها فهي مأكولة ، فلم تخل في كلا الحالين من ثبوت الربا فيها .

والقسم الثاني : ما كانت من أصول غير مأكولة وتكون بعد استخراجها دهنا غير مأكولة كدهن المحلب والألبان والكافور ، فهذه وما شاكلها غير مأكولة الأصول والأدهان جميعا ، فلا ربا فيها اعتبارا بالحالتين معا .

والقسم الثالث : ما كانت من أصول مأكولة ، لكنها لا تكون بعد استخراجها دهنا مأكولة كدهن الورد والبنفسج والخيري والياسمين فهذه في أنفسها غير مأكولة في العرف ، وإنما تستعمل طلاء ، لكنها مستخرجة من أصل مأكول ، وهو السمسم ؛ ففي ثبوت الربا فيها وجهان :

أحدهما : لا ربا فيها اعتبارا بأنفسها .

والثاني : فيها الربا اعتبارا بأصولها . وكذلك دهن السمك من أصل مأكول ، لكنه في نفسه غير مأكول .

وأما دهن البزر والقرطم فقد اختلف أصحابنا في أصولها ، هل هي مأكولة يثبت فيها الربا على وجهين :

أحدهما : لا ربا فيها فعلى هذا لا ربا في أدهانها .

والثاني : فيها الربا لأنها قد تؤكل .

فعلى هذا في ثبوت الربا في أدهانها وجهان : لأنها من أصل مأكول ، وفرع غير مأكول .

[ ص: 117 ] والقسم الرابع : ما كانت من أصول غير مأكولة ، لكن بعد استخراجها دهنا مأكولة .

كدهن الخروع وحب القرع وما شاكلها ، ففي ثبوت الربا فيها وجهان :

أحدهما : فيها الربا اعتبارا بأنفسها .

والثاني : لا ربا فيها اعتبارا بأصولها .

فصل : فإذا ثبت أن الأدهان المأكولة فيها الربا على ما وصفنا ، فلا فصل بين المأكول أدما أو دواء أو غير ذلك من أنواع الأكل ، كما لا فصل في غير الأدهان من المأكول قوتا أو دواء . ثم الأدهان أجناس كأصولها ، وإن كان أبو علي بن أبي هريرة يخرجها على قولين كاللحمان ، والألبان :

أحدهما : أنها جنس .

والثاني : أنها أجناس .

وذهب سائر أصحابنا إلى فساد هذا التخريج ، وأن الأدهان أجناس مختلفة كما أن أصولها أجناس مختلفة ، بخلاف اللحمان والألبان في أحد القولين . والفرق بينهما أن لأصول اللحمان والألبان اسما جامعا ، وهو الحيوان ، فجاز أن يكون جنسا واحدا ، وليس كذلك الأدهان : إذ ليس لأصولها اسم جامع فوجب أن تكون أجناسا .

فإذا ثبت أن الأدهان أجناس ، فالزيت جنس . قال الشافعي - رضي الله عنه - : وزيت الفجل جنس آخر : لأن الزيت المطلق مستخرج من الزيتون ، والزيتون جنس غير الفجل ، ثم الشيرج جنس آخر .

فأما دهن الورد ودهن البنفسج إذا قيل فيهما الربا فهما جنس واحد ، وكذلك دهن الياسمين والخيري ، فهذا كله مع الشيرج جنس واحد لا يختلف فيه المذهب : لأن جميعها من السمسم وإنما يختلف لاختلاف الترتيب .

فإذا كان الجنس واحدا حرم فيه التفاضل ، فإن كانا جنسين جاز فيهما التفاضل .

فعلى هذا يجوز بيع الزيت بالشيرج متفاضلا ، ولا يجوز بيع الشيرج بالشيرج إلا متماثلا . وكان بعض أصحابنا يمنع من بيع الشيرج بالشيرج بكل حال : لأن فيه ماء وملحا لا يمكن استخراجه إلا بهما ، وهذا يمنع من التماثل .

وهذا خطأ : لأن الماء والملح وإن كان لا يستخرج الشيرج إلا بهما ، فيختلفان في ثقل السمسم وهو الكسب : إذ لا يصح اختلاط الماء بالدهن ولا بقاء الماء بين أجزائه . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية