الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي - رضي الله عنه - : " ولبن الغنم ماعزه وضأنه صنف ولبن البقر عرابها وجواميسها صنف ، ولبن الإبل مهريها وعرابها صنف ، فأما إذا اختلف الصنفان فلا بأس متفاضلا يدا بيد " .

قال الماوردي : اختلف قول الشافعي في الألبان هل هي صنف واحد أو أصناف ، على قولين :

أحدهما : وهو قوله في القديم ، وبه قال مالك ، إنها صنف واحد : لأن الاسم الخاص يجمعها عند حدوث الربا فيها ، ولا يكون اختلاف أنواعها دليلا على اختلاف أصنافها وأجناسها ، كما أن التمر كله جنس ، وليس اختلاف أنواعه دليلا على اختلاف أجناسه .

والقول الثاني وهو المنصوص عليه في الجديد وأكثر كتبه ، وبه قال أبو حنيفة ، إن الألبان أصناف وأجناس : لأنها فروع لأصول هي أجناس ، فاقتضى أن يكون أجناسا كالأدقة والأجبان لما كانت فروعا لأجناس كانت هي أجناسا .

فإذا قيل بالقول الأول إنها جنس واحد لم يجز بيع لبن الإبل بلبن البقر أو الغنم سواء بسواء .

وإذا قيل بالثاني إنها أجناس مختلفة كان لبن الإبل جنسا ، لكن لا فرق بين البخاتي والعراب . ولبن البقر جنس ، ولا فرق بين العرابية والجواميس ، ولبن الغنم جنس ، ولا فرق بين الضأن والماعز .

فإن كان الجنس واحدا حرم فيه التفاضل ، وإن كان الجنس مختلفا جاز فيه التفاضل .

فإن قيل : فهلا منع من بيع اللبن باللبن إذا كان فيهما زبد كما منع من بيع العسل بالعسل إذا [ ص: 121 ] كان فيهما شمع . قيل : بقاء الزبد في اللبن من كمال منافعه ، وهو في أغلب الأحوال مأكول معه ، وليس كذلك الشمع في العسل : لأنه ليس من جملته ، ولا مأكولا معه واحدا . فيستوي سمن الغنم وسمن البقر .

وإن قيل : إن الألبان أجناس كانت هذه كلها أجناسا .

فيكون سمن الغنم جنسا ، وسمن البقر جنسا ، والتفاضل بينهما يجوز .

التالي السابق


الخدمات العلمية