الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " ويخالف الثمار من الأعناب وغيرها النخل ، فتكون كل ثمرة خرجت بارزة وترى في أول ما تخرج كما ترى في آخره فهو في معنى ثمر النخل بارزا من الطلع ، فإذا باعه شجرا مثمرا فهو للبائع إلا أن يشترطه المبتاع لأن الثمر فارق أن يكون مستودعا في الشجر كما يكون الحمل مستودعا في الأمة " .

قال الماوردي : وجملته أن النبات ضربان : شجر وزرع .

فأما الشجر فهو ما كان على ساق فلا يخلو حال حمله من ثلاثة أقسام :

أحدهما : أن يكون مقصوده الورق .

والثاني : أن يكون مقصوده الورد .

والثالث : أن يكون مقصوده الثمر .

فأما ما كان المقصود منه الورق فكالحنا والتوت .

فأما الحنا فإن ورقه يبدو بعد تفرع أغصانه من غير أن يكون في عقدة ينفتح عنها ، فإذا بدا ورقه بعد التفرع صار في حكم النخل المؤبر فيكون للبائع .

وأما شجر الفرصاد فنوعان :

[ ص: 168 ] نوع منه يعرف بالشامي يقصد منه ثمره دون ورقه فحكمه حكم ثمر الأشجار إذا طلع ، فلا اعتبار بظهور ورقه .

- ونوع منه يقصد منه ورقه دون ثمره ، وورقه يبدو في عقدة ثم ينفتح عنها ، فإن كان في عقدة فهو تبع لأصله ، وإن كان عقدة قد انشقت وظهر ورقها لم يتبع أصله ، وكان للبائع ، وكذا القول في كل ما قصد منه الورق .

وأما ما كان المقصود منه الورد فيتنوع نوعين :

- نوع منه يبدو بارزا كالياسمين ، فهذا إذا وجد الورق فيه لم يتبع أصله .

- ونوع منه يبدو مستجنا إما بعقد ينفتح عنها ، أو بغطاء ينكشف عنه كالورد المطلق ، فإن كان في كمامه لم يبرز فهو تبع لأصله ، وإن برز عما تحته لم يتبع أصله وكان للبائع .

وأما ما كان المقصود منه الثمر ، فعلى ثلاثة أضرب :

أحدها : أن يبدوا بارزا منعقدا كالتين ، فهذا وجوده في شجره كالتأبير لا يتبع أصله ويكون للبائع .

والضرب الثاني : ما يبدو في كمام يتشقق عنه ، كالجوز عليه قشرتان :

إحداهما عليا تنشق عنه في شجره ، والثانية سفلى يؤخذ معها ويدخر بها ، فهذا في حكم طلع النخل ، فإذا كان في قشرته العليا فهو تبع لأصله ، ويكون للمشتري .

وإن انشقت عنه القشرة العليا ، وبرزت القشرة السفلى ، لم يتبع أصله وكان للبائع .

والضرب الثالث : ما يبدو وردا ونورا ، ثم ينعقد حبا كالتفاح والمشمش والرمان والسفرجل والكمثرى وما في معناه ، فإذا كان وردا ونورا ، فهو تبع لأصله ويكون للمشتري ، وإن انعقد وتساقط نوره لم يتبع أصله وكان للبائع ، وكذلك اللوز في معناه .

فأما الكرم فنوعان : منه ما يورد ثم ينعقد ، ومنه ما يبدو حبا منعقدا فيتعين كل واحد من النوعين بحكم ما ذكرنا من نظائره ، فهذا حكم الشجر وما في معناه .

فإن لم يكن شجر مثل بصل النرجس والزعفران إلا أنه يبقى سنين في موضعه فيكون كشجر الورد على ما ذكرنا .

وأما الزرع فضربان :

ضرب إذا حصد لم يبق له أصل يستخلف كالبر والشعير ، فهذا لا يتبع أصله إلا بالشرط ، ولا يجوز إفراده بالعقد إلا بشرط القطع .

وضرب آخر يجز مرارا ويستخلف كالعلف ، وهو القت ، وأنواع من البقول فيكون ما طلع منه وظهر للبائع لا يتبع الأصل ، وهل ينتظر بما طلع تناهي جذاذه أم لا ؟ على وجهين :

أحدهما : ينتظر به تناهي جذاذه ، فإذا بلغ الحد الذي جرت العادة بجذاذه عليه فقد انتهى ملك البائع ، ويكون ما بعد تلك الجذة بكمالها للمشتري .

[ ص: 169 ] وهذا قول من زعم أن ما أطلع من ثمار النخل بعد العقد للبائع تبعا لما أطلع منها وأبر .

والوجه الثاني : أنه لا ينتظر به كمال جداده ، بل يكون للبائع ما ظهر منه وإن لم يستكمل ، ويؤمر بجداده وإن لم يستكمل ، ويكون الأصل الباقي وما استخلف طلوعه من بعد العقد تبعا للأصل . وهذا قول من زعم أن ما أطلع من ثمار النخل من بعد العقد يكون للمشتري ، ولا يكون تبعا لما أطلع فيه وأبر .

التالي السابق


الخدمات العلمية