الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : الماء المستعمل إذا بلغ قلتين

فإذا بلغ الماء المستعمل قلتين ، فإن كان قلتين وقت استعماله كجنب اغتسل في قلتين من ماء ، فالماء طاهر ، وخارج عن حكم المستعمل : لأنه ليس رفع الحدث به بأغلظ من وقوع النجاسة فيه إذا كان قلتين لا يغير حكمه ما لم يتغير فكذلك الاستعمال ، فأما إن كان وقت الاستعمال أقل من قلتين ثم جمع بعد استعماله قلتين فقد اختلف أصحابنا فيه هل يصير مطهرا أم لا ؟ على وجهين :

أحدهما : وهو قول أبي العباس أنه غير مطهر : لأنه حكم ثبت لقلته مع طهارته ، فلم ينتف عن كثيره كسائر المائعات الطاهرة .

والوجه الثاني : وهو قول أبي إسحاق المروزي أنه يصير مطهرا : لأن حكم النجاسة أغلظ في الاستعمال من الحدث ، فلما كان جمع القليل حتى يصير كثيرا ينفي عنه حكم النجاسة ، فأولى أن ينفي عنه حكم الاستعمال .

فصل : ثم إذا صار الماء مستعملا فقد اختلف أصحابنا هل يجوز أن يزال به الأنجاس : على وجهين :

أحدهما : وهو قول أبي القاسم الأنماطي وأبي علي بن خيران أنه يجوز أن تزال به النجاسة : لأن للماء حكمين في التطهير :

أحدهما : في رفع الحدث .

والثاني : في إزالة النجس ، فإذا استعمل في أحدهما وهو رفع الحدث لم يسقط الحكم الآخر في إزالة النجس . قيل لهم : فعلى هذا التعليل يلزمكم أن تقولوا إذا استعمل في إزالة النجس أنه يجوز استعماله في رفع الحدث فاختلفوا فقال بعضهم أقول بذلك ، والتزم هذا السؤال ، وقال بعضهم : لا أقول بذلك : لأن إزالة النجس أغلظ من رفع الحدث ، فجاز أن يكون الأغلظ رافعا لحكم الأخف ، ولم يجز أن يكون الأخف رافعا لحكم الأغلظ .

والوجه الثاني : وهو قول أبي العباس بن سريج وأبي إسحاق المروزي وأبي علي بن أبي هريرة وجمهور أصحابنا لا يجوز استعماله في إزالة النجس : لأنه لما صار بالاستعمال مانعا من رفع الحدث صار كسائر المائعات التي لا تزيل النجس ، ولأنه لا يخلو حال التطهير بعد الاستعمال من أن يكون حكمه باقيا أو مرتفعا ، فإن كان باقيا صح في الطهارتين ، وإن كان مرتفعا زال عن الطهارتين .

التالي السابق


الخدمات العلمية