الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " وإن كان فيها زرع فهو للبائع يترك حتى يحصد " .

قال الماوردي : وهذا كما قال .

إذا باع أرضا وفيها زرع يحصد مرة ويؤخذ دفعة كالبر والشعير والباقلا والكتان ، فهو للبائع لا يدخل في البيع إلا بالشرط بخلاف الشجر والغرس الموضوع للاستدامة والبقاء : لأن الزرع لا يوضع للاستدامة ، وإنما يزرع لتكامل المنفعة فحل محل المتاع المودع ، فلذلك لم يدخل في البيع .

فإن قيل : فالثمرة قبل التأبير تستبقى لتكامل المنفعة ، ثم تجتنا وهي داخلة في البيع ، فهلا كان الزرع مثلها ؟

قيل : الفرق بينهما أن الثمرة حادثة من خلفة الأصل المبيع ، والزرع مستودع في الأرض بفعل الآدمي ، وقد فرق في الأصول بين ما كان من خلفة الأصل فيكون تبعا ، وبين ما يكون مستودعا في الأصل ، فلا يكون تبعا ، ألا ترى أنه لو اشترى أرضا فوجد فيها ركازا لم يدخل في البيع : لأنه مستودع في الأرض ، ولو وجد فيها معدنا كان داخلا في البيع : لأنه خلقة في الأرض ، فإذا ثبت أن الزرع لا يدخل في البيع ، فلا يخلو حال المشتري من أن يكون عالما بالزرع أو غير عالم :

فإن كان عالما بالزرع فلا خيار له في الفسخ .

وإن لم يكن عالما بالزرع : لأنه ابتاعها عن رؤية متقدمة ، ولم يرها وقت العقد ، فله الخيار في فسخ العقد : لأن الزرع عيب لمنعه منفعة الأرض . فإن فسخ رجع بالثمن ، وإن أقام فللبائع ترك الزرع في الأرض إلى وقت حصاده كما يكون له ترك ما أبر من الثمر إلى وقت جذاذه ، ولا أجرة للمشتري على البائع في تركه : لأنها منفعة مستحقة قبل ملكه ، ما احتاج الزرع إلى سقي فعلى المشتري التمكين منه وعلى البائع مؤنته ، فإذا انتهى إلى أول أوقات استحصاده وجب على البائع أن يحصده ، ولم يكن له في تركه استزادة في صلاحه ، ثم ينظر في الأرض بعد الحصاد ، فإن لم يبق للزرع عروق مضرة ، فقد استوفى حقه ولا شيء عليه ، وإن بقيت للزرع عروق مضرة كان على البائع قلعها ، وإزالة الضرر بها إن شاء المشتري . فلو جز البائع زرعه قبل وقت حصاده وجب عليه تسليم الأرض بعد قلع العروق المضرة ، وليس له استبقاء الأرض ما بقي من مدة الزرع : لأنه إنما استحق من منفعة الأرض ما كان صلاحا لذلك [ ص: 183 ] الزرع ، فلو كان الباقي من مدة الزرع بعد جزازه خمسة أشهر فزرعها ما يحصد في خمسة أشهر لم يجز ، وكانت الأجرة عليه واجبة ، وإن رضي المشتري بتركه ، ولو كان الزرع مما لو جز قبل حصاده قوي أصله واستخلف وفرخ كالدخن ، فجزه قبل حصاده كان له استبقاء الأصل الباقي إلى وقت الحصاد : لأنه من جملة ذلك الزرع ، وليس له استبقاء ما استخلف وفرخ بعد الحصاد : لأنه غير ذلك الزرع ، وعلى البائع قلعه ولا يملكه المشتري كما لا يملك أصل القت الذي يجز مرارا : لأن القت أصل ثابت ، والزرع فرع زائل واستخلاف بعضه نادر .

التالي السابق


الخدمات العلمية