الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وإذا قد تقرر ما ذكرنا ، فنستوفي حكم تلفها في جميع أحوالها ، فنقول : إنه لا يخلو حال تلفها بعد العقد من ثلاثة أقسام :

أحدها : أن تتلف قبل التسليم .

والثاني : بعد التسليم وقبل الجداد .

والثالث : بعد التسليم والجداد .

فإن تلفت قبل التسليم لم يخل تلفها من ثلاثة أحوال :

- إما أن يكون بجائحة من السماء ، أو بجناية آدمي ، أو بجناية البائع .

- فإن تلفت بجائحة من السماء كانت من ضمان البائع فبطل البيع لا يختلف : لأن تلف المبيع قبل القبض مبطل للبيع .

- وإن تلفت بجناية آدمي غير البائع ، ففي بطلان البيع قولان :

أحدهما : قد يبطل كما لو تلفت بجائحة سماء .

والثاني : لا يبطل البيع ويكون بدلها مستحق على الجاني ، لكن يكون المشتري بالخيار ، بحدوث الجناية بين الفسخ والرجوع بالثمن ، وبين إمضاء البيع بالثمن ومطالبة الجاني بمثل الثمرة ، أو قيمتها إن لم يكن لها مثل .

وإن تلفت بجناية البائع ، ففيه وجهان حكاهما ابن سريج :

أحدهما : أن جناية البائع كجائحة من السماء ، فعلى هذا يكون البيع باطلا قولا واحدا .

والثاني : أنها كجناية الأجنبي ، فعلى هذا في بطلان البيع بها قولان :

فهذا الحكم في تلفها قبل التسليم .

- وأما القسم الثاني : وهو أن يكون تلفها بعد التسليم وقبل الجداد ، فهذا على ضربين :

أحدهما : أن يكون المشتري قد تمكن من جدادها بعد التسليم فأخره حتى تلفت ، فتكون من ضمان المشتري ولا يبطل به البيع في الأحوال كلها ، سواء كان تلفها بجائحة أو جناية : لأن تأخير الجداد مع الإمكان تفريط منه ، والله أعلم .

[ ص: 210 ] والضرب الثاني : أن لا يتمكن المشتري من جدادها حتى تلفت ، فننظر في سبب تلفها ، فإنه لا يخلو من الأحوال الثلاثة :

إما بجائحة سماء ، أو جناية أجنبي ، أو جناية البائع .

فإن كان تلفها بجائحة سماء ، ففي بطلان البيع به قولان مضيا .

وإن كان تلفها بجائحة أجنبي : فإن قيل : إن البيع لا يبطل بجائحة السماء ، فيكون أن يبطل بجناية أجنبي ، وإن قيل : إنه يبطل بجائحة السماء ، ففي بطلانه بجناية الآدمي قولان :

وإن كان تلفها بجناية البائع ، فأحد الوجهين : أنها تكون كجائحة السماء ، فيكون في بطلان البيع قولان .

والوجه الثاني : أنها كجناية الأجنبي على ما مضى . فهذا الحكم في تلفها بعد التسليم وقبل الجداد والله أعلم .

وأما القسم الثالث : وهو أن يكون تلفها بعد الجداد ، فالبيع ماض لا يبطل بتلفها على الأحوال كلها لاستقرار القبض وانقضاء علق العقد ، وتكون مضمونة على الآدمي بالمثل أو بالقيمة ، إن يكن لها مثل والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية