الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وإذا أقرضه طعاما بالبصرة ثم رآه ببغداد فطالبه بمثل طعامه ببغداد لم يكن ذلك له ، وقيل : لك المطالبة بمثل طعامك حيث أقرضته بالبصرة ، فإن طالبه ببغداد بقيمة الطعام لزم المستقرض أن يدفع إليه ببغداد قدر قيمة الطعام بالبصرة زائدا كان أو ناقصا ، ولو أن المستقرض سأل المقرض حيث رآه ببغداد أن يأخذ منه الطعام بما لم يلزم المقرض أن يأخذه هناك : لأنه يستحق قبضه بالبصرة ، ولو قال له : خذ مني قيمة الطعام لم يلزمه أخذها : لأن [ ص: 235 ] حقه في غيرها ، ولو غصب رجل طعاما بالبصرة واستهلكه ، ثم رآه مالكه ببغداد فطالبه بطعامه ، فإن كان الغاصب قد استهلك الطعام بالبصرة ، لم يكن لرب الطعام مطالبته بمثل مكيلته ببغداد كالقرض ، وقيل : إما أن تأخذ منه مثل طعامك بالبصرة ، أو تأخذ منه ببغداد قيمة طعامك بالبصرة ، وإن كان الغاصب قد استهلك الطعام ببغداد ، فعليه أن يدفع إلى مالكه مثل طعامه ببغداد : لأن الغاصب يضمن مثل ما غصبه في الموضع الذي قد استهلكه ، فلو قال صاحب الطعام للغاصب حين رآه ببغداد : أريد قيمة الطعام ، لم يلزم الغاصب ذلك : لأن حقه في المثل فلا يصح العدول إلى القيمة إلا بالمراضاة ، فلما قال صاحب الطعام للغاصب : لست أقبض منك طعامي ببغداد وأريد مثله بالبصرة ، كان ذلك له : لأنه مغصوب منه بالبصرة فيصير مالك الطعام إذا غصب منه بالبصرة واستهلك ببغداد مخيرا بين مطالبة الغاصب بمثل طعامه بالبصرة : لأنه موضع غصبه ، ومن مطالبته بمثل طعامه ببغداد : لأنه موضع استهلاكه ، ومن هذا الوجه كان الغصب مخالفا للقرض ، فأما إذا أسلم في طعامه بالبصرة ثم رأى من عليه الطعام ببغداد ، لم يكن له المطالبة بطعامه ببغداد : لأنه غير موضع استحقاقه ، ولا يجوز لهما دفع قيمته : لأنه بيع المسلم فيه قبل قبضه .

التالي السابق


الخدمات العلمية