الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " وإن أولدها ردت إلى ربها ، وكان عليه مهر مثلها وقيمة ولده يوم خرج منها ، فإن مات الولد قبل الحكم أو بعده فسواء " .

قال الماوردي : وهذا صحيح . إذا ابتاع جارية بيعا فاسدا وقبضها ، فقد ذكرنا أنه لا يملكها بالقبض ، فإن وطئها لم تحل ؛ لأنه وطء شبهة . وتعلق بوطئها إذا ردها خمسة أحكام تختص بها ، ربما اجتمعت وربما افترقت وهي : مهر المثل ، وأرش البكارة ، وأرش نقصها بالولادة ، وأجرة مثلها مدة كونها عنده ، وقيمة ولدها منه .

فأما الأول وهو مهر المثل : فإنما وجب عليه : لأنه وطء سقط فيه الحد عنها فأوجب المهر [ ص: 318 ] لها كالوطء في النكاح الفاسد . وأما أرش البكارة : فإنما وجب عليه : لأنه إتلاف من جهته فكان الأرش في مقابلته ، ولا يكون وجوب مهر مثلها بكرا يغني عن وجوب أرش البكارة : لأن المهر في مقابلة الاستمتاع ، والأرش في مقابلة الاستهلاك فلما اختلف سببيهما لم يمتنع وجوبهما .

فإن قيل : أليس لو وطئ بكرا حرة لزمه مهر مثلها بكرا ولا يلزمه أرش بكارتها ، فهلا كانت الأمة كذلك قيل : لا ؛ لأن الأمة مضمونة عليه باليد ؛ فلزمه أرش البكارة لوجود النقص في يده . والحرة غير مضمونة عليه باليد . وأما أرش نقصها بالولادة فواجب عليه لضمان يده ، ولحدوث ذلك عن فعله فلو ماتت في ولادتها لزمه قيمتها ، وهل تكون في ماله أو على عاقلته على قولين من اختلاف القولين في العاقلة ، هل تتحمل ما جنى على العبد . وأما أجرة مثلها فإنما وجبت عليه : لأنها مضمونة المنفعة فصارت كالمغصوبة إلا أن تكون المدة لا أجرة لمثلها فلا تلزمه أجرة . وأما قيمة ولدها فإنما وجبت عليه لأن أولادها نماء منها وكسب لسيدها ، فلما عتقوا على الوطء للحوقهم به في شبهة ملكه ، فكان ذلك سببا من جهته وجبت عليه قيمتهم ، كالشريك إذا أعتق حصته في عبد . وإذا كانت قيمتهم واجبة عليه لزمته القيمة عند سقوطهم أحياء .

وحكي عن أبي حنيفة أن عليه قبضهم حين الترافع إلى القاضي . وهذا غلط : لأنها قيمة مستهلك فاعتبر فيها وقت الاستهلاك ، وقد استهلكهم بالعتق وقت الولادة فوجب أن تلزمه قيمتهم إذ ذاك ، وقد كان يقتضي أن تلزمه قيمتهم وقت العلوق غير أنه في تلك الحال لا يمكن اعتبار القيمة فيها ، فاعتبرت حال الولادة : لأنها أول وقت الإمكان ، فلو وضعت الولد ميتا لم تلزمه قيمته : لأن الميت لا قيمة له ، وخالف موت الجنين المضمون بالغرة من وجهين :

أحدهما : أن في سقوط الجنين بالضرب جناية على الولد ، حدث الموت منها ، فجاز أن يتعلق الضمان بها ، وليس في الوطء هاهنا جناية على الولد بحدوث الموت فلم يلزمه الضمان .

والثاني : أن في الجنين دية مقدرة بالشرع يستغنى بها عن اعتبار قيمته فوجبت مع الموت . وفي ولد هذه الأمة القيمة لا يمكن اعتبارها مع الموت فسقطت معه .

التالي السابق


الخدمات العلمية