الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الملامسة والمنابذة والملامسة عندنا أن يأتي الرجل بثوبه مطويا فيلمسه المشتري أو في ظلمة ، فيقول رب الثوب : أبيعك هذا على أنه إذا وجب البيع فنظرك إليه اللمس لا خيار لك إذا نظرت إلى جوفه أو طوله وعرضه . والمنابذة أن أنبذ إليك ثوبي وتنبذ إلي ثوبك على أن كل واحد منهما بالآخر ولا خيار إذا عرفنا الطول والعرض ، وكذلك أنبذه إليك بثمن معلوم " .

قال الماوردي : وأصل هذا ما رواه الشافعي عن مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الملامسة والمنابذة .

وروى الشافعي ، عن ابن عيينة ، عن الزهري ، عن عطاء بن يزيد ، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين وعن لبستين ، أما البيعتان فالملامسة والمنابذة ، وأما اللبستان فاشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء . فأما بيع الملامسة فهو ما فسره الشافعي من أن يأتي الرجل بثوبه مطويا ، أو في سفط ، أو تكون ظلمة ، فيقول : أبيعك هذا الثوب على أن تلمسه بيدك ، ولا خيار لك إذا أبصرته ، وعرفت طوله وعرضه ، فهذا بيع باطل للنهي عنه ، ولما فيه من الغرر لعدم النظر ، ولما تضمنه الشرط من إسقاط الخيار المستحق بالعقد .

( فأما ) بيع المنابذة : والنبذ في كلامهم الإلقاء . قال الله تعالى : فانبذ إليهم على سواء [ الأنفال : 58 ] وقال تعالى : فنبذوه وراء ظهورهم [ آل عمران : 187 ] أي : ألقوه . وصورة المنابذة : أن يقول الرجل لصاحبه هو ذا أنبذ إليك ثوبي ، أو ما في كمي على أن تنبذ إلي ثوبك أو ما في كمك على أن كل واحد منهما بالآخر ، ولا خيار لواحد منا بعد [ ص: 338 ] النظر فهنا بيع باطل ، وكذا لو قال : هو ذا أنبذ إليك ما في كمي بدينار ولا خيار لك بعد نظرك إليه ، وهذا بيع باطل ، وإنما بطل بيع المنابذة للنهي عنه ، ولأن الغرر كثير فيه ، ولأن الخيار مسلوب منه .

فصل : وروى عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العربان ، وروي عن بيع الأربون ، وروي أنه نهى عن بيع المسكان .

وهو بيع قال مالك : وهو أن يشتري الرجل العبد ، أو يتكارى الدابة ، ثم يقول : أعطيتك دينارا على أني إن رجعت عن البيع والكراء فما أعطيتك .

وهذا بيع باطل : للنهي عنه ، ولحدوث الشرط فيه ، ولأن معنى القمار قد تضمنه . والله أعلم .

فصل : وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع العينة .

وروى عطاء الخرساني ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا تبايعتم العينة ، وأخذتم أذناب البقر ، ورضيتم بالزرع ، وتركتم الجهاد ، سلط الله عليكم ذلا لا ينتزعه حتى ترجعوا إلى دينكم " .

وصورة بيع العينة هو : أخذ العين بالربح ، يشتق الاسم من المعنى .

وقال الشاعر : وأنشدنيه أبو حامد الإسفراييني :


أيدان أم يعتان أم ينبري لنا فتى مثل نصل السيف هزت مضاربه

قوله : يدان : من الدين ، ويعتان : من العينة . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية