الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ ص: 341 ] باب البيع بالثمن المجهول وبيع النجش ونحو ذلك

مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " أخبرنا الدراوردي ، عن محمد بن عمرو بن علقمة ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة ( قال الشافعي ) وهما وجهان ، أحدهما : أن يقول قد بعتك هذا العبد بألف نقدا أو بألفين إلى سنة ، قد وجب لك بأيهما شئت أنا وشئت أنت ، فهذا بيع الثمن ، فهو مجهول . والثاني : أن يقول قد بعتك عبدي هذا بألف على أن تبيعني دارك بألف فإذا وجب لك عبدي ، وجبت لي دارك : لأن ما نقص من كل واحد منهما مما باع ازداده فيما اشترى فالبيع في ذلك مفسوخ " .

قال الماوردي : وهذا الحديث ثابت .

وقد روى أبو داود ، عن ابن أبي شيبة ، عن يحيى بن زكريا ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا " .

فإذا ثبت هذان الحديثان ، ففي بيعتين في بيعة وجهان مخرجان حكاهما الشافعي رضي الله عنه : أحدهما : أن يقول قد بعتك داري هذه بألف على أن تبيعني عبدك هذا بألف ، إذا وجبت لك داري وجب لي عبدك ، فهذا بيع باطل في العقدين معا للنهي عنه .

ولأنه بيع وشرط وقد جاء النهي عنه .

ولأنه ألزمه مع الثمن بيع ما لا يلزم ، فصار الثمن مجهولا ببعض الشرط ، وجهالة الثمن تبطل البيع .

والوجه الثاني : أن يقول : قد بعتك داري هذه بألف صحاحا ، أو بألفين غلة تأخذها بأيهما شئت أنت أو شئت أنا ، ويفترقان على هذا ، أو يقول : بألف عاجلة وبألفين آجلة . فهذا بيع باطل .

وقال مالك : البيع صحيح .

[ ص: 342 ] وهذا خطأ : لورود النهي عنه نصا ، ومنع الشرع منه خصوصا . ولأن الثمن فيه مجهول لجهلهما باستقراره على الألف العاجلة ، أو الألفين الآجلة ولا يصح عقد البيع مع جهالة الثمن فيه .

وقد يتفرع على الوجه الأول ، أن يقول : قد بعتك داري هذه بألف ، على أن تؤاجرني عبدك هذا بمائة ، فيكون البيع باطلا ، لاشتراط الإجارة فيه ، وتكون الإجارة باطلة لاشتراط البيع فيها : لأنهما عقدان في عقد .

وهكذا لو قال : قد أجرتك داري هذه على أن تؤاجرني عبدك هذا ، كان عقدا الإجارة باطلين كالبيعتين .

وهكذا القول في كل عقد شرط فيه عند عقده عقدا آخر ، فإنهما يبطلان معا ، سواء كان العقدان من جنس واحد أو من جنسين . فأما إن لم يجعل أحد العقدين شرطا في الآخر ، بل قال : قد بعتك عبدي هذا فبعني دارك هذه ، صح العقد الذي عقداه في الحال ، وكان الثاني طلبا إن قابله بالإجازة فيه صح أيضا .

ولكن لو قال : قد بعتك عبدي هذا إن بعتني دارك هذه ، لم يصح البيع : لأنه عقد معلق بصفة كقوله : قد بعتك عبدي هذا إن قدم زيد . والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية