الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النجش ( قال الشافعي ) والنجش خديعة ، وليس من أخلاق أهل الدين ، وهو أن يحضر السلعة تباع فيعطي بها الشيء وهو لا يريد شراءها : ليقتدي بها السوام ، فيعطي بها أكثر مما كانوا يعطون لو لم يعلموا سومه ، فهو عاص لله بنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعقد الشراء نافذ : لأنه غير النجش " .

قال الماوردي : وهذا صحيح . روى الشافعي ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول صلى الله عليه وسلم قال : لا تناجشوا .

فأصل النجش : هو الإثارة للشيء ، ولهذا قيل للصياد : النجاش ، والناجش لإثارته للصيد ، وكذا قيل لطالب الشيء نجاش ، فالطلب نجش .

وقال الشاعر :


فما لها الليلة من إنفاش غير السرى وسائق نجاش

[ ص: 343 ] وحقيقة النجش المنهي عنه في البيع أن يحضر الرجل السوق فيرى السلعة تباع لمن يزيد ، فيزيد في ثمنها وهو لا يرغب في ابتياعها : ليقتدي به الراغب فيزيد لزيادته ظنا منه أن تلك الزيادة لرخص السلعة اغترارا به . فهذا خديعة محرمة . وقد قال صلى الله عليه وسلم : " المكر والخديعة وصاحبهما في النار " .

وقال صلى الله عليه وسلم : " لا خلابة في الإسلام " أي : لا خديعة .

فإذا ثبت أن النجش حرام فالبيع لا يبطل : لأن المشتري وإن اقتدى به فقد زاد باختياره ، فإن علم المشتري بحال الناجش من غروره ، وأراد فسخ البيع به ، نظر في حال الناجش فإن كان قد نجش وزاد من قبل نفسه من غير أن يكون البائع قد نصبه للزيادة ، كان الناجش هو العاصي والبيع لازم للمشتري ، ولا خيار له في فسخه : لأنه لم يكن من البائع تدليس في بيعه .

وإن كان البائع قد نصب الناجش للزيادة ، ففي خيار المشتري وجهان :

أحدهما : له الخيار : لأن ذلك تدليس من البائع .

والثاني : لا خيار له : لأن الزيادة زادها عن اختياره . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية