الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " وقال صلى الله عليه وسلم : " لا بيع على بيع بعض " ( قال الشافعي ) : وبين في معنى نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيع على بيع أخيه أن يتواجبا السلعة ، فيكون المشتري مغتبطا أو غير نادم ، فيأتيه رجل قبل أن يتفرقا فيعرض عليه مثل سلعته أو خيرا منها بأقل من الثمن ، فيفسخ بيع صاحبه بأن له الخيار قبل التفرق ، فيكون هذا إفسادا ، وقد عصى الله إذا كان بالحديث عالما ، والبيع فيه لازم " .

قال الماوردي : وهذا صحيح .

وروى الشافعي عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يبيع بعضكم على بيع بعض " .

وروى الشافعي ، عن سفيان ، عن الزهري ، عن ابن المسيب ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يبع الرجل على بيع أخيه " .

والمراد بهذا النهي ما وصفه الشافعي : وهو أن يبيع الرجل السلعة ، ولا يفترقان حتى يأتي رجل آخر فيعرض على المشتري مثل تلك السلعة بأرخص من ثمنها ، أو يعرض عليه [ ص: 344 ] خيرا منها بمثل ثمنها ليفسخ على الأول بيعه . فهذا هو المقصود بالنهي ، وهو حرام : لما فيه من الفساد والإضرار ، فإن فعل فقد عصى إن علم بالنهي ، وبيعه ماض سواء فسخ المشتري بيع الأول ، أو لم يفسخ .

هذا المعنى أن يشتري الرجل على شراء أخيه .

روي - وإن لم أجده مسندا - أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يشتري الرجل على شراء أخيه .

وصورة ذلك : أن يشتري الرجل سلعة ولا يفارق بائعها حتى يأتي رجل ويشتريها من بائعها بأكثر من ذلك الثمن ، فهو أيضا حرام : لأجل النهي عنه إن كان صحيحا ، ولأنه في معنى ما صح من نهيه عن بيع الرجل على بيع أخيه ، ولما فيه من الضرر والفساد بين المتبايعين الأولين .

فإن فعل واشترى فقد أثم وعصى ، والشراء جائز : لأن فسخ البيع الأول في المجلس جائز .

وفي معنى هذين أن يشتري الرجل سلعة ، ولا يفارق بائعها حتى يأتي رجل يربح المشتري في ثمنها ، فهو أيضا مكروه : لأنه يؤدي إلى أن يفسخ البائع على المشتري بيعه طمعا فيما بذل له من الربح ، فصار في معنى بيع الرجل على بيع أخيه ، وشراء الرجل على شراء أخيه . ولكن لا بأس أن يربحه في ثمنها بعد الافتراق : لأن البيع قد لزم فلا يقدر البائع على فسخ البيع إلا أن يشترطا خيار الثلاث فيمنع هذا الراغب من بذل الزيادة حتى تنقضي مدة الخيار . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية