الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يسوم الرجل على سوم أخيه " .

وصورة سوم الرجل على سوم أخيه أن يبذل الرجل في السلعة ثمنا ، فيأتي آخر فيزيد عليه في ذلك الثمن قبل أن يتواجبا البيع ، فإن كان هذا في بيع المزايدة جاز : لأن بيع المزايدة موضوع لطلب الزيادة ، وأن السوم لا يمنع الناس من الطلب .

وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم باع قدحا وحلسا فيمن يزيد ، وابتاع ثوبا مزايدة " .

فأما إن لم يكن بيع المزايدة وكان بيع المناجزة فلا يخلو حال بائع السلعة حين بذل له الطالب الأول ذلك الثمن من ثلاثة أحوال : إما أن يقول : قد رضيت بهذا الثمن ، أو يقول : لا أبيع بهذا الثمن ، أو يمسك . فإن قال : قد رضيت بهذا الثمن حرم على غيره من الناس أن يسوم عليه [ ص: 345 ] وإن لم ينعقد البيع بينهما لما في ذلك من الفساد وإيقاع العداوة والبغضاء مع النهي الوارد عنه نصا .

وخالف بيع المزايدة : لأن المساوم فيه لا يتعين . ولذلك قال أصحابنا : لو أن رجلا وكل في بيع عبده في مكان ، فباعه الوكيل في غير ذلك المكان صح البيع ، ولو وكله في بيعه رجلا ، وباعه من غير ذلك الرجل لم يصح البيع ، لأنه قد يريد ببيعه على ذلك الرجل مسامحته فيه ، أو تمليكه إياه ، فلم يكن للوكيل تمليك غيره ، وليس كذلك إذا أذن له في بيعه في مكان فباعه في غيره : لأنه لا غرض له فيه غير وفور ثمنه ، فإذا حصل له في غيره صح البيع . كذلك في السوم إن كان في المزايدة لم يحرم : لأن الغرض وفور الثمن دون تعيين الملاك ، وفي بيع المناجزة قد يكون له غرض في تعيين الملاك .

وأما الحال الثانية : وهو أن يكون المالك قال : لست أرضى بما بذلته من الثمن ، فها هنا لا يحرم على غير الطالب الأول أن يسوم عليه ، ويجوز لمن شاء أن يساوم في السلعة بمثل ثمنها أو بأكثر منها : لأن عدم الرضا لو منع الغير من طلبها أضر ذلك ببائعها .

وأما الحال الثالثة : وهو أن يمسك المالك فلا يجيب برضا ولا بكراهة ، فإن كان الإمساك دالا على الكراهة بما يقترن به من الأمارة لم يحرم السوم ، وإن كان دالا على الرضا ففي تحريم السوم وجهان :

أحدهما : قد حرم سوم تلك السلعة على غير الأول : لأن سكوت الراضي كنطقه .

والثاني : أن سومها جائز ما لم يصرح المالك بالرضا والإجابة : لأن الإمساك كناية ، فلم تقم مقام اللفظ الصريح إلا فيما خصه الشرع من إذن البكر . وهذان الوجهان مخرجان من اختلاف قوليه في خطبة الزوج إذا أمسك الولي من غير تصريح بالإجابة والرد . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية