مسألة : قال  
الشافعي   رحمه الله تعالى : " ولو أقر بسرقة من حرزها يقطع في مثلها قطعناه ، وإذا صار حرا أغرمناه : لأنه أقر بشيئين : أحدهما لله في يديه فأخذناه ، والآخر للناس في ماله ، ولا مال له فأخرناه به كالمعسر نؤخره بما عليه ، فإذا أفاد أغرمناه ولم يجز إقراره في مال سيده " .  
قال  
المزني      : هذا غلط : لأن هذا إن كان صادقا فإن يغرم على مولاه فيقطع ويغرم مولاه ، وإن كان كاذبا فذلك أبعد " .  
قال  
الماوردي      : وهذا كما قال .  
إذا أقر العبد بسرقة مال  فلا يخلو حاله من أن يلزمه القطع فيها أو لا يلزمه ، فإن لم يلزمه القطع لم يقبل إقراره على سيده وكان كالمال الذي أقر به عن إتلاف أو جناية ، ويكون في ذمة يؤديه بعد عتقه ويساره .  
فإن لزمه القطع قطع في الحال ، لا يختلف : لأن القطع حق في يده ينفذ إقراره فيه ولا يعتبر تصديق السيد له .  
فأما الغرم فلا يخلو حال ما أقر بسرقته من ثلاثة أقسام :  
أحدها : أن يكون قد استهلك .  
والثاني : أن يكون عينا في يده .  
والثالث : أن يكون عينا في يد سيده .  
فإن كان مستهلكا ففيه قولان :   
[ ص: 373 ] أحدهما : أن إقراره ينفذ فيه على سيده ، ويتعلق الغرم برقبته يباع بعد قطعه فيؤدي في سرقته إلا أن يختار السيد أن يفديه .  
ووجه هذا القول أن التهمة في هذا الإقرار تنتفي عنه بوجوب القطع ، وإقرار العبد إذا انتفت عنه التهمة لزم وإن أوجب مالا ، كجناية العبد ينفذ إقراره فيها لاستحقاق القود بها ، ثم ينتقل إلى المال بعفو الولي عن القود .  
والقول الثاني : أن إقراره بالغرم لا يقبل على سيده ، ويتعلق بذمته يؤديه بعد عتقه : لأنه إقرار يضمن شيئين :  
أحدهما : قطعا وغرما ، وقد يصح انفراد الغرم عن القطع ، فلما لم يتهم في أحدهما وهو القطع قطعناه ، ولما اتهم في الآخر وهو الغرم رددناه . وليس كجناية العبد التي لا ينفك أحد موجبها عنها .  
فأما إن كان ما أقر بسرقته عينا في يده فإنه يقطع بإقراره .  
وأما نفوذ إقراره في العين التي بيده : فإن قيل إنما أقر باستهلاكه لا ينفذ إقراره فيه ؛ فالعين التي بيده أولى أن لا ينفذ إقراره فيها على سيده .  
فإن قيل : إن إقراره في غرم المستهلك نافذ على سيده ، فقد اختلف أصحابنا في  
العين التي بيده هل ينفذ إقراره فيها على سيده  على ثلاثة أوجه :  
أحدها : أن إقراره فيها نافذ ، وقوله في سرقتها مقبول ، وهذا قول  
أبي العباس بن سريج      : لأنه لما قبل إقراره في العموم المتعلق برقبته وإن كانت الرقبة ملكا لسيده ، قبل إقراره في العين التي بيده وإن كانت يده يدا لسيده .  
والوجه الثاني : أن إقراره بها غير مقبول : لأن يده يد لسيده فصار إقراره بها كإقراره بما في يد سيده .  
والفرق بين نفوذ إقراره في الغرم المتعلق برقبته ، وبين أن لا ينفذ في العين التي بيده أن العين ربما زادت قيمتها على قيمة الرقبة أضعافا فيفضي إقراره إلى أن يستوعب به ملك سيده ، وليس كذلك الغرم المتعلق بالرقبة : لأنه لا يتجاوزها وهو محدود بها .  
والوجه الثالث : أن العين ترد على السيد إذا ادعاها ويتعلق غرم قيمتها في رقبته استدرارا لما يخاف من وفور قيمة العين واستيعاب مال السيد ، فيتعلق غرمها برقبته حتى لا يتجاوزها .  
وأما إن كان ما أقر بسرقته عينا في يد سيده ؛ فمذهب  
الشافعي   وسائر أصحابه أنه يقطع ولا يقبل إقراره فيما بيد سيده ، بل يجب غرم ذلك في ذمته يؤديه بعد عتقه . 
وقال  
أبو حنيفة      : تسترد العين من يد سيده لوجوب قطعه وأن القطع إنما يجب لثبوت سرقته .   
[ ص: 374 ] وقال  
محمد بن الحسن      : أسقط القطع عنه : لأنه لا يجب رد العين من يد سيده .  
وكلا المذهبين مدخول ، وتعليل  
أبي حنيفة   لرد العين بوجوب قطعه لا يصح : لأن الضمان قد وجب في ذمته فكان وجوب الضمان عليه في وجوب قطعه .  
وتعليل  
محمد بن الحسن   لإسقاط قطعه بأنه ليس يجب رد العين من يد سيده لا يصح أيضا : لأن بدله مستحق في ذمته فكان البدل موجبا لقطعه .  
فصل : فأما  
المحجور عليه بالسفه ، إذا أقر بسرقة ،  فسواء كان إقراره بسرقة عين في يده ، أو بمستهلك قد تلف في يده ، ولا يعتبر فيه تصديق وليه كما يعتبر في العبد تصديق سيده : لأن السيد مالك فجاز أن يلزم تصديقه ، والولي غير مالك فلم يلزم تصديقه .  
فإذا كان كذلك ، فإن قيل : إن إقرار العبد مقبول على سيده كان إقرار السفيه مقبولا في ماله فيقطع ويغرم ، وإن قيل : إن إقرار العبد غير مقبول على سيده ، وأنه لازم في ذمته ، ففي إقرار السفيه وجهان :  
أحدهما : وهو قول  
أبي علي بن أبي هريرة ،   أن إقراره مقبول بخلاف العبد : لأن العبد مقر في غير ملك ، فلم يقبل إقراره منه ، والسفيه مقرض ملك ، فينفذ إقراره فيه . فعلى هذا يقطع ويغرم السرقة في ماله .  
والوجه الثاني : أن إقراره غير مقبول : لأنه وإن كان مالكا فالحجر قد منع من نفوذ إقراره فيه ، فصار أسوأ حالا من العبد : لأن للعبد ذمة يثبت الغرم فيها إذا أعتق ، وليس للسفيه ذمة يثبت فيها الغرم .  
وإذا كان كذلك سقط الغرم عنه في حال الحجر وبعد فك الحجر . وفي وجوب قطعه وجهان :  
أحدهما : لا قطع لسقوط الغرم .  
والثاني : يقطع ، كما لو أسقط الغرم بالإبراء بعد الوجوب . والله أعلم .