الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ ص: 375 ] باب بيع ما يجوز بيعه وما لا يجوز

مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " أخبرنا مالك ، عن ابن شهاب ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن أبي مسعود الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن ( قال الشافعي ) وقال صلى الله عليه وسلم : " من اقتنى كلبا إلا كلب ماشية أو ضاريا نقص من أجره كل يوم قيراطان " . قال : ولا يحل للكلب ثمن بحال ولو جاز ثمنه جاز حلوان الكاهن ومهر البغي " .

قال الماوردي : وهذا كما قال . بيع الكلب باطل وثمنه حرام ، ولا قيمة على متلفه بحال ، سواء كان منتفعا به ، أو غير منتفع به .

وقال أبو حنيفة : بيع الكلب جائز وثمنه حلال ، والقيمة على متلفه واجبة ، سواء كان منتفعا به أو غير منتفع به .

وقال مالك : بيعه لا يجوز وثمنه لا يحل ، لكن على قاتله القيمة .

واستدلوا على ذلك براوية الحسن بن أبي جعفر ، عن أبي الزبير ، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب والهر إلا الكلب المعلم " . فجوز ثمن الكلب إذا كان معلما ، والخلاف فيهما واحد .

وروى الحسن بن عمارة ، عن يعلى بن عطاء ، عن إسماعيل بن جستاس ، عن عبد الله بن عمرو قال : قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في كلب الصيد بأربعين درهما ، وفي كلب الغنم بشاة من الغنم ، وفي كلب الزرع بفرق من زرع ، وفي كلب الدار بفرق من تراب ، حق على القاتل أن يؤديه ، وحق على صاحب الكلب أن يأخذ . فأثبت له قيمة .

قالوا : ولأنه حيوان يجوز الاصطياد به فجاز بيعه كالفهد والنمر ، ولأنه حيوان تجوز الوصية به فجاز بيعه كالماشية .

[ ص: 376 ] ودليلنا : ما أسنده الشافعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن . وروى معروف بن سويد ، عن علي بن أبي رباح ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يحل ثمن الكلب ، ولا حلوان الكاهن ، ولا مهر البغي " .

وروى عبد الكريم ، عن قيس بن حبتر ، عن ابن عباس قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب وإن جاء يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه ترابا . وروى خالد بن عبد الله ، عن أبي الوليد ، عن ابن عباس قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا عند الركن فرفع بصره إلى السماء فضحك فقال : " لعن الله اليهود ثلاثا : إن الله حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها ، وإن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه " . فدلت نصوص هذه الأخبار على ما ذكرنا .

ولأنه حيوان يجب غسل الإناء من ولوغه فوجب أن يحرم ثمنه وقيمته كالخنزير . وأما الجواب عن حديث جابر فمن وجوه :

أحدها : ضعف إسناده : لأن الحسن بن أبي جعفر مطرح الحديث .

والثاني : أن قوله : " إلا الكلب المعلم " راجع إلى مضمر محذوف ، وتقديره : أنه نهى عن ثمن الكلب واقتنائه إلا الكلب المعلم فيجوز اقتناؤه .

والثالث : أن معنى قوله : إلا الكلب المعلم . يعني : والكلب المعلم ، فتكون إلا في موضع الواو ، كما قال تعالى : إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني [ البقرة 150 ] يعني : والذين ظلموا .

وأما الحديث الآخر فأضعف إسنادا : لأن الحسن بن عمارة مردود القول ، ثم المتن غير معمول به فلم يصح الاحتجاج به ، ويكون الحديث خارجا مخرج الزجر في استهلاك الكلاب المعلمة على أربابها حتى لا يسرع الناس إلى قتلها ، كما في قوله : من قتل عبده قتلناه على الزجر عن قتل العبيد .

وأما الجواب عن قياسهم على الفهد بعلة جواز الاصطياد : فهو أنه يرفع النص فكان مطرحا ، ثم المعنى في الفهد طهارته حيا .

[ ص: 377 ] وكذا الجواب عن قياسهم على المواشي بعلة جواز الوصية به ؛ والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية