الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
أقسام الحيوان وحكم كل قسم

مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " وما سوى ذلك مما فيه منفعة في حياته بيع [ ص: 381 ] وحل ثمنه وقيمته ، وإن لم يكن يؤكل ، من ذلك : الفهد يعلم للصيد ، والبازي ، والشاهين ، والصقر من الجوارح المعلمة ، ومثل الهر ، والحمار الإنسي ، والبغل وغير ذلك مما فيه منفعة حيا ، وكل ما لا منفعة فيه من وحش ، مثل الحدأة ، والرخمة ، والبغاثة ، والفأرة ، والجرذان ، والوزغان ، والخنافس ، وما أشبه ذلك فأرى - والله أعلم - أن لا يجوز شراؤه ، ولا بيعه ، ولا قيمة على من قتله : لأنه لا معنى للمنفعة فيه حيا ولا مذبوحا ، فثمنه كأكل المال بالباطل " .

قال الماوردي : وهذا صحيح . وجملة الحيوان ضربان : آدمي وغير آدمي ، فالآدمي ضربان : حر ومملوك ، فالحر لا يجوز بيعه وإن جازت إجازته .

والمملوك ضربان : مسلم وغير مسلم ، فإن لم يكن مسلما جاز بيعه من مسلم ومشرك صغيرا كان العبد أو كبيرا .

وقال أحمد بن حنبل : لا يجوز بيع من لم يحكم بإسلامه من المماليك الصغار على المشركين ويباعون على المسلمين : لأنهم في العرف يثبتون على دين سادتهم فيشركون إن كان السيد مشركا ومسلمون إن كان السيد مسلما .

وهذا الذي قاله ليس بصحيح : لأن من أجرى عليه حكم الشرك فإسلامه مظنون . وقد يجوز أن يسلم إن كان سيده مشركا وبيع على الشرك .

وإن كان سيده مسلما فلم يكن ما اعتبره صحيحا إلا أن يذهب إليه من طريق الأولى فيصح . وأما المسلم فلا يجوز بيعه إلا على مسلم : لأن الإسلام لعلوه لا تعلوه يد مشرك .

فإن بيع العبد المسلم على مشرك ففي البيع قولان :

أحدهما : باطل . وبه قال في " الإملاء " لقوله تعالى : ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا [ النساء : 141 ] .

ولأن كل عقد منع الكافر من استدامته كحرمة الإسلام منع من ابتدائه كالنكاح .

ولأن المقصود بعقد البيع أحد أمرين :

إما القربة بما يحصل من العتق كابتياع الولد وهو لا يعتق عليه ، أو حصول الربح بطلب الفضل وهو لا يقدر عليه فيحصل له الربح ، وإذا زال عن مقصود البيع من هذين الوجهين جرى مجرى بيع ما لا منفعة فيه فكان باطلا .

والقول الثاني : قاله في عامة كتبه وهو قول أبي حنيفة : إن البيع صحيح : لعموم قوله تعالى : وأحل الله البيع [ البقرة : 275 ] .

ولأن كل من صح أن يشتري كافرا صح أن يشتري مسلما كالمسلم .

ولأن الكفر لا يمنع من ملك المسلم كما لو كان كافرا فأسلم .

[ ص: 382 ] ولأن عقد البيع يملك به كالإرث ، فلما جاز أن يرث الكافر عبدا مسلما جاز أن يشتري عبدا مسلما . فعلى هذا لا يجوز أن يقر على ملكه ، وإن صح البيع . ويؤخذ بإزالة ملكه عنه ببيع أو هبة أو عتق . فإن دبره لم يجز إقراره ، وإن كاتبه فعلى قولين :

أحدهما : لا يقر على ذلك لما فيه من استدامة ملكه .

والقول الثاني : يقر على الكتابة لينظر ما يكون في حاله : لأن الكتابة تفضي إلى عتقه وزوال رقه .

التالي السابق


الخدمات العلمية