الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولا يجوز في السلف حتى يدفع الثمن قبل أن يفارقه ويكون ما سلف فيه موصوفا ، وإن كان ما سلف فيه بصفة معلومة عند أهل العلم بها وأجل معلوم جاز ، قال الله تبارك وتعالى : يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج فلم يجعل لأهل الإسلام علما إلا بها ، فلا يجوز إلى الحصاد والعطاء : لتأخير ذلك وتقديمه ، ولا إلى فصح النصارى ، وقد يكون عاما في شهر وعاما في غيره على حساب ينسئون فيه أياما ، فلو أجزناه كنا قد عملنا في ديننا بشهادة النصارى ، وهذا غير حلال للمسلمين ، ولو كان أجله إلى يوم كذا فحتى يطلع فجر ذلك اليوم . ( قال ) وإن كان ما سلف فيه مما يكال أو يوزن سميا مكيالا معروفا عند العامة ، ويكون المسلف فيه مأمونا في محله ، فإن كان تمرا ، قال : صيحاني أو بردي أو كذا ، وإن كان حنطة ، قال : شامية ، أو ميسانية ، أو كذا ، وإن كان يخلف في الجنس الواحد بالحدارة والرقة وصفا ما يضبطانه به ، وقال في كل واحد جيدا وأجلا معلوما ، أو قال حالا وعتيقا من الطعام ، أو جديدا ، وأن يصف ذلك بحصاد عام كذا مسمى أصح ، ويكون الموضع معروفا ، ولا يستغنى في العسل من أن يصفه ببياض أو صفرة أو خضرة لأنه يتباين في ذلك ولو اشترطا أجود الطعام أو أردأه لم يجز : لأنه لا يوقف عليه ، ولو كان ما أسلف فيه رقيقا قال : عبدا نوبيا خماسيا أو سداسيا أو محتلما ، ووصف سنه وأسود هو أو وضيء أبيض أو أصفر أو أسحم ، وكذلك إن كانت جارية وصفها ، ولا يجوز أن يشترط معها ولدها ، ولا أنها حبلى ، وإن كان في بعير قال : من نعم بني فلان ، من ثني غير مودن ، نقي من العيوب ، سبط الخلق أحمر مجفر الجنبين ، رباع أو قال : بازل ، وهكذا الدواب يصفها بنتاجها وجنسها وألوانها وأسنانها .

[ ص: 404 ] ويصف الثياب بالجنس من كتان أو قطن أو وشي إسكندراني أو يماني ، ونسج بلده وذرعه من عرض وطول ، أو صفافة أو دقة أو جودة ، وهكذا النحاس يصفه أبيض أو شبه أو أحمر ، ويصف الحديد ذكر أو أنثى ، وبجنس إن كان له في نحو ذلك ، وإن كان في لحم قال : لحم ماعز ذكر ، خصي أو غير خصي ، أو لحم ماعزة ثنية أو ثني ، أو جذع رضيع أو فطيم وسمين ، أو منقى من فخذ أو يد ، ويشترط الوزن في نحو ذلك .

ويقول في لحم البعير خاصة بعير راع من قبل اختلاف لحم الراعي ولحم المعلوف ، وأكره اشتراط الأعجف ، والمشوي ، والمطبوخ ، ويجوز السلم في لحوم الصيد إذا كانت ببلد لا تختلف ، ويقول في السمن : سمن ماعز ، أو ضأن أو بقر ، وإن كان منها شيء يختلف ببلد سماه ، ويصف اللبن كالسمن ، فإن كان لبن إبل قال لبن عود ، أو أوارك ، أو حمضية ، ويقول راعية أو معلوفة ، لاختلاف ألبانها في الثمن والصحة ، ويقول حليب يومه ولا يسلف في اللبن المخيض : لأن فيه ماء وهكذا كل مختلط بغيره لا يعرف أو مصلح بغيره ( قال المزني ) يدخل في هذا الطيب الغالية والأدهان المربية ونحوها . ( قال الشافعي ) ولا خير في أن يسمى لبنا حامضا : لأن زيادة حموضته زيادة نقص ، ويوصف اللبأ كاللبن ، إلا أنه موزون . ويقول في الصوف صوف ضأن بلد كذا : لاختلافه في البلدان ، ويسمى لونا لاختلاف ألوانها ، ويقول جيدا نقيا ومغسولا لما يعلق به فيثقل فيسمى قصارا أو طوالا بوزن ، وإن اختلف صوف فحولها من غيرها وصفا ما يختلف ، وكذلك الوبر والشعر ، ويقول في الكرسف كرسف بلد كذا ، ويقول جيدا أبيض نقيا أو أسمر ، وإن اختلف قديمه وجديده سماه ، وإن كان يكون نديا سماه جافا بوزن .

( قال إبراهيم ) وحدثنا الربيع ، قال : سمعت الشافعي ، يقول : ولا يجوز السلف فيها حتى يسمى أخضر أو أبيض أو ربيريا أو سبيلانيا ، وبأن لا يكون فيه عرق ولا كلى .

ويقول في الحطب سمر أو سلم أو حمض أو أراك أو عرعر . ويقول في عيدان القسي عود شوحطة جدل مستوي البنية . ( قال ) ولا بأس أن يسلف في الشيء كيلا ، وإن كان أصله وزنا ، ويسلف في لحم الطير بصفة ووزن غير أنه لا سن له يعني يعرف فيوصف بصغير أو كبير وما احتمل أن يباع مبعضا وصف موضعه ، وكذلك الحيتان وما ضبطت صفته من خشب ساج أو عيدان قسي من طول أو عرض جاز فيه السلم ، وما لم يكن لم يجز وكذلك حجارة الأرحاء والبنيان والآنية .

( قال ) ويجوز السلف فيما لا ينقطع من العطر في أيدي الناس بوزن وصفة كغيره ، والعنبر منه الأشهب والأخضر والأبيض ، ولا يجوز حتى يسمى وإن سماه قطعة أو قطعا صحاحا لم يكن له أن يعطيه مفتتا ومتاع الصيادلة كمتاع العطارين ولا خير في شراء شيء [ ص: 405 ] خالطه لحوم الحيات من الدرياق : لأن الحيات محرمات ، ولا ما خالطه لبن الترياق ما لا يؤكل لحمه من غير الآدميين ، ولو أقاله بعض السلم وقبض بعضا فجائز ، قال ابن عباس ذلك المعروف وأجازه عطاء .

( قال ) وإذا أقاله فبطل عنه الطعام وصار عليه ذهبا تبايعا بعد بالذهب ما شاءا ، وتقابضا قبل أن يتفرقا من عرض وغيره .

ولا يجوز في السلف الشركة ولا التولية : لأنهما بيع ، والإقالة فسخ بيع ، ولو عجل له قبل محله أدنى من حقه أجزته ، ولا أجعل للتهمة موضعا .

التالي السابق


الخدمات العلمية