الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو كان ربها أذن له في وطئها وكان يجهل درئ عنه الحد ولحق به الولد وكان حرا وعليه قيمته يوم سقط ، وفي المهر قولان أحدهما أن عليه الغرم ، والآخر لا غرم عليه لأنه أباحها له " .

قال الماوردي : قد مضى الكلام في وطء المرتهن بغير إذن الراهن ، فأما إذا وطئ بإذن الراهن فالإذن غير مبيح له الوطء : لأن الوطء لا يستباح إلا بملك أو نكاح .

فإذا كان كذلك فعلى الراهن الآذن التعزير لإقدامه على إباحة المحرمات ، وأما المرتهن الواطئ فلا يخلو حاله من أحد أمرين : إما أن يكون عالما بالتحريم ، أو جاهلا به .

وشبهته في الجهالة بتحريمه مع إذن الراهن أقوى من شبهته بغير إذنه ، فإن كان عالما بالتحريم فعلى ما مضى من وجوب الحد ، وانتفاء النسب واسترقاق الولد .

وإن كان جاهلا بالتحريم سقط عنه الحد ، ولحق به الولد ، وكان حرا .

وأما المهر فإذا قلنا : أنه لا يجب عليه في المسألة الأولى إذا وطئ بغير إذن الراهن ففي هذه المسألة أولى ألا يجب وهو أن تطاوعه الجارية عالمة بالتحريم ، فلا مهر على مذهب الشافعي لوجوب الحد على الموطوءة .

[ ص: 66 ] فإذا قلنا : إن المهر يجب إذا وطئ بغير إذن الراهن وهو أن تكون جاهلة بالتحريم ، أو مكرهة مع علمها بالتحريم ففي وجوبه عليها إذا وطئ بإذن الراهن قولان :

أحدهما : لا مهر عليه : لأن الوطء يتعلق به حقان :

أحدهما : لله تعالى وهو الحد .

والثاني : للآدمي وهو المهر .

كما أن القتل يتعلق به حقان :

أحدهما : لله تعالى وهو الكفارة .

والثاني : للآدمي وهو الدية .

ثم ثبت أنه لو أذن له في قتلها سقط عنه حقه من قيمتها دون حق الله تعالى من الكفارة ، فكذلك إذا أذن له في وطئها سقط عنه حقه من مهرها دون حق الله تعالى من الحد .

والقول الثاني : عليه المهر : لأن هذا الوطأ موجب للمهر .

كما أن الوطأ في النكاح الفاسد موجب للمهر ، ثم ثبت أنه لو وطئ في النكاح الفاسد بإذن الموطوءة لم يسقط عنه المهر ، كذلك إذا وطئ بإذن الراهن لم يسقط عنه المهر .

وأما قيمة الولد ، إذا لحق به وصار حرا ، فمن أصحابنا من قال في وجوب قيمته قولان كالمهر ، وهو قول أبي علي بن أبي هريرة .

ومن أصحابنا من قال : عليه قيمة الولد قولا واحدا وهو قول أكثرهم والفرق بين الولد والمهر من وجهين :

أحدهما : أن الوطأ مأذون فيه فسقط غرم بدله ، والإيلاء غير مأذون فيه فلم يسقط غرم بدله .

والثاني : أن الوطأ استهلاك غير موجود فجاز أن يسقط غرمه عنه ، والولد اكتساب موجود فوجب عليه غرمه .

فأما غرم ما نقص من قيمتها بالولادة فإن لحق به الولد فعليه غرمه لا يختلف وإن لم يلحق به الولد ففي وجوب غرمه قولان وكذلك لو مات .

أحدهما : عليه غرمه : لأنه بسبب منه .

والثاني : ليس عليه غرمه لعدم لحوق الولد به .

[ ص: 67 ] وهذان القولان من اختلاف قوليه فيمن زنا بأمة فأحبلها وماتت في ولادتها هل يلزمه غرم قيمتها أم لا ؟

التالي السابق


الخدمات العلمية