الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو اشترى عبدا بالخيار ثلاثا فرهنه قبلها فجائز وهو قطع لخياره وإيجاب للبيع في العبد ، وإن كان الخيار للبائع أو للبائع والمشتري فرهنه قبل الثلاث فتم له ملكه بعد الثلاث فالرهن مفسوخ لأنه انعقد وملكه على العبد غير تام " .

قال الماوردي : وهذا صحيح .

[ ص: 80 ] وجملة الخيار المستحق في المبيع على ثلاثة أضرب : خيار مجلس ، وخيار شرط ، وخيار عيب .

فأما الضرب الأول وهو : خيار المجلس ، فهو مستحق للبائع والمشتري ، فإن رهنه البائع صح رهنه وكان فسخا للبيع ، وإن رهنه المشتري لم يجز إلا أن يكون رهنه عن إذن البائع فيصح رهن المشتري : لأن إذن البائع إمضاء ، ورهن المشتري إمضاء ، وإذا اتفق المتبايعان على الإمضاء في خيار المجلس تم البيع وسقط الخيار .

فأما أن يرهنه المشتري من غير إذن البائع فلا يجوز ، وإنما جاز رهن البائع بغير إذن المشتري ، ولم يجز رهن المشتري بغير إذن البائع : لأن رهن البائع فسخ ، ورهن المشتري إمضاء ، والخيار موضوع للفسخ دون الإمضاء ، ألا ترى لو فسخ أحدهما وأمضى الآخر حكم بالفسخ دون الإمضاء .

فصل : وأما الضرب الثاني وهو خيار الشرط ، فهو على ثلاثة أضرب : أحدها : أن يكون للبائع دون المشتري .

والثاني : أن يكون للمشتري دون البائع .

والثالث : أن يكون لهما جميعا .

فإن كان الخيار مشروطا للبائع دون المشتري ، فإن رهنه البائع صح رهنه وكان فسخا للبيع ، وإن رهنه المشتري لم يجز وكان رهنا باطلا ، لحق البائع من الخيار إلا أن يكون المشتري قد رهنه بأمر البائع فيصح الرهن ، ويكون إذن البائع اختيارا لإمضاء البيع وقطع الخيار .

وإن كان الخيار مشروطا للمشتري دون البائع فإن رهنه المشتري صح رهنه وكان اختيارا منه لإمضاء البيع وقطع الخيار .

وإن رهنه البائع لم يجز ، وكان رهنه باطلا ، لأنه لازم من جهته وإن كان الخيار ثابتا لغيره إلا أن يرهنه البائع بإذن المشتري فيصح رهنه وينفسخ البيع ، ويكون إذن المشتري اختيارا لفسخ البيع .

وإن كان الخيار مشروطا لهما جميعا ، فإن رهنه البائع صح رهنه وكان فسخا للبيع .

[ ص: 81 ] وإن رهنه المشتري لم يجز إلا أن يكون بإذن البائع فيصح رهنه ، ويكون إذن البائع اختيارا لإمضاء البيع .

وإنما صح رهن البائع ، دون المشتري وإن كان الخيار لهما لما ذكرنا من أن رهن البائع فسخ ورهن المشتري إمضاء .

فلو كان للبائع خيار يوم وللمشتري خيار يومين ، فإن رهنه البائع في اليوم الأول جاز ، وإن رهنه المشتري لم يجز .

وإن رهنه المشتري في اليوم الثاني جاز ، وإن رهنه البائع لم يجز .

وأما الضرب الثالث وهو خيار العيب ، فهو مستحق للمشتري دون البائع ، فإن رهنه المشتري صح رهنه ، وكان رضا بالعيب ، ومانعا من الرد والرجوع بالأرش .

وإن رهنه البائع لم يجز لأنه لازم من جهته وإن ثبت فيه خيار لغيره ، فلو رد على البائع بالعيب بعد أن رهنه لم يصح رهنه إلا باستئناف عقد صحيح كما لو رهنه المشتري في خيار البائع كان رهنا باطلا وإن تم ملكه عليه .

فلو لم يعلم المشتري بالعيب حتى رهنه ثم علم به صح رهنه ولم يكن له رده ما كان باقيا ، وفيما يستحقه بالعيب وجهان مضيا في البيوع :

أحدهما : يستحق الأرش في الحال .

والثاني : ينتظر ما يكون من حاله في الرهن فإن بيع فيه رجع بالأرش وإن فكه من الرهن رده بالعيب .

التالي السابق


الخدمات العلمية