الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو باع العدل فقبض الثمن فقال : ضاع . فهو مصدق " .

قال الماوردي : وهذا صحيح .

إذا قال العدل المأمون ببيع الرهن قد بعته وقبضت ثمنه وضاع من يدي فقوله مقبول لأنه أمين وقول الأمين في تلف ما بيده مقبول ، كالمودع والوكيل فأما وجوب اليمين عليه فمعتبرة بما يكون من تصديق الراهن والمرتهن أو تكذيبهما لأن لكل واحد منهما حقا وإذا كان كذلك فلا يخلو الراهن والمرتهن من أربعة أحوال : أحدها أن يصدقا جميعا العدل على تلف الرهن في يده ، فلا يجب على العدل اليمين بتصديقهما والحال الثانية أن يكذبا جميعا العدل في تلف الثمن من يده فعلى العدل اليمين ، لأنهما بالتكذيب يدعيان عليه استحقاق الثمن في يده فإن حلف برئ من الحكم من الثمن ، وإن نكل عن اليمين ردت على الراهن دون المرتهن لأن الثمن على ملكه ، فإن حلف الراهن كان على العدل عزم الثمن وكان حق المرتهن متعلقا به يستوفيه منه وإن نكل الراهن وبذل المرتهن اليمين لأجل أن الثمن صائر إليه ، فهل يجوز أن ترد اليمين عليه أم لا ؟ على قولين مبنيين على اختلاف قوليه في اختلاف غرماء المفلس فيما نكل عنه المفلس .

أحدهما : أن اليمين ترد على المرتهن فإن حلف وجب على العدل غرامة الثمن ليستوفي المرتهن حقه وإن نكل برئ العدل .

والقول الثاني : لا ترد اليمين على المرتهن ، فعلى هذا القول برئ من الثمن بنكول الراهن .

[ ص: 143 ] والحال الثالثة : أن يصدق المرتهن ويكذب الراهن فعلى العدل اليمين لأن الثمن ملك للراهن فلا يمنع الراهن من إحلاف العدل على ملكه لأجل تصديق غيره ، فإن حلف العدل برئ من الثمن ، وإن نكل عن اليمين ردت اليمين على الراهن ، فإن حلف الراهن وجب على العدل غرامة الثمن ، فإذا غرم الثمن اختص به الراهن ولم يكن للمرتهن فيه حق لإقراره بتلف ما كان حقه متعلقا به ، فإن سأل الراهن أن يقبض المرتهن حقه من هذا الثمن لتبرأ ذمته ، فواجب على المرتهن أن يقبض حقه من الثمن الذي غرمه العدل ويبرئ الراهن من حقه ، فإن قبض المرتهن حقه من هذا الثمن برئ الراهن من حق المرتهن ووجب على المرتهن أن يرد ما قبضه من ذلك على العدل : لأن المرتهن يقر أن العدل مظلوم به وأنه باق على ملكه .

والحال الرابعة : أن يصدق الراهن ويكذب المرتهن ، فإن كان الراهن موسرا أجبر على دفعه للمرتهن ولم يكن للمرتهن إحلاف العدل ، وقد برئ العدل بتصديق الراهن ، وإن كان الراهن معسرا فهل تسقط اليمين عن العدل بتصديق الراهن أو يجب عليه لأجل تكذيب المرتهن ؟ على وجهين مخرجين من اختلاف قوليه في مدعي جناية العبد المرهون إذا صدقه الراهن وكذبه المرتهن هل يثبت حقه في رقبة العبد المرهون أم لا ؟ على قولين ، كذلك العدل إذا ادعى تلف الثمن فصدقه الراهن وكذبه المرتهن كان على وجهين مخرجين مما ذكرنا من القولين ، أحد الوجهين أن العدل قد برئ بتصديق الراهن وليس للمرتهن إحلافه ، والوجه الثاني : أنه لا يبرأ بتصديق الراهن وعليه أن يحلف للمرتهن فإن حلف العدل للمرتهن برئ من الحكم ، وإن نكل العدل عن اليمين فهل يجوز أن ترد على المرتهن أم لا ؟ على ما مضى من القولين ، أحدهما : لا ترد عليه لأن الثمن ملك لغيره ، والثاني : ترد اليمين عليه لأن الثمن صائر إليه .

فعلى هذا إذا حلف المرتهن وجب على العدل غرامة الثمن ثم لا يخلو حال الثمن من ثلاثة أقسام :

أحدها : أن يكون الثمن بإزاء حق المرتهن من غير زيادة ولا نقص فله مطالبة العدل بجميعه ، فإذا قبض ذلك منه سقط حق المرتهن من ذمة الراهن لإقراره بقبضه .

والقسم الثاني : أن يكون الثمن أقل من حق المرتهن فله قبض جميع الثمن ومطالبة الراهن بما بقي من حقه بعد قبض الثمن .

والقسم الثالث : أن يكون الثمن أكثر من حق المرتهن ، فليس للمرتهن أن يأخذ منه إلا قدر حقه ، فإذا أخذ قدر حقه برئ الراهن منه ، وليس للراهن مطالبة العدل بما بقي من الثمن بعد حق المرتهن لأنه مقر أن العدل مظلوم بجميع الثمن ، فإن قيل فإذا كان ما قبضه [ ص: 144 ] المرتهن ظلما فكيف يبرأ به الراهن ؟ قلنا إنما سقطت المطالبة عنه ، فأما براءة ذمته من الباطن فالله أعلم بذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية