الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو باع بدين كان ضامنا " .

قال الماوردي : وهذا صحيح وجملته إذا أذن الراهن والمرتهن للعدل في بيع الرهن أنه لا يخلو من خمسة أقسام :

أحدها : أن يأذنا له في بيعه بالنقد فلا يجوز للعدل أن يبيعه بالدين ، فإن باعه بالدين كان بيعه باطلا ، وكان لجميع قيمته بالتسليم ضامنا .

والقسم الثاني : أن يأذنا له في بيعه بالدين فيجوز له أن يبيعه بالدين بما حدا له من الأجل أو بما لا يتفاوت من الآجال إن لم يحدا له الأجل ، فإن باعه بالنقد بمثل الثمن الذي [ ص: 148 ] يساوى بالدين كان بيعه جائزا لتعجيل الثمن مع حصول ما يقصد من التوفير للأجل ، وإن باعه بالنقد بدون ما يساوى بالدين كان بيعه باطلا وكان لقيمته بالتسليم ضامنا .

والقسم الثالث : أن يأذنا له في بيعه مطلقا ، فإطلاق الإذن يقتضي بيع النقد كما لو صرحا به فإن باعه بالدين كان بيعه باطلا .

وقال أبو حنيفة : إطلاق الإذن يقتضي جواز البيع بالنقد والدين فبأيهما باع جاز ، وكذلك الوكيل مع الإطلاق لأن اسم البيع يتناوله .

ودليلنا : هو أن إطلاق الإذن كإطلاق العقد ، فلما كان إطلاق العقد يقتضي تعجيل الثمن ، وجب أن يكون إطلاق الإذن يقتضي تعجيل الثمن والكلام في هذه المسألة يستوفى في كتاب الوكالة إن شاء الله .

والقسم الرابع : أن يأذن الراهن في بيعه بالدين ويأذن المرتهن في بيعه بالنقد فليس للعدل بيعه بالدين ، لأن المرتهن لم يأذن به مع استحقاق تعجيله ، فأما بالنقد فإن باعه بمثل ما يساوى بالدين جاز وإن باعه بمثل ما يساوى بالنقد دون ما يساوى بالدين لم يجز : لأن الراهن المالك لم يأذن به ، فيجري على هذا الإذن حكم النقد في التعجيل وحكم الدين في التوفير .

والقسم الخامس : أن يأذن له الراهن في بيعه بالنقد ويأذن له المرتهن في بيعه بالدين فللعدل أن يبيعه بالنقد الذي أذن فيه الراهن ولا يبيعه بالدين الذي أذن فيه المرتهن ، لأن حق المرتهن في البيع والتعجيل وليس له حق في التأخير فقبل إذنه في البيع : لأنه حق له ولم يقبل إذنه في التأخير لأنه حق عليه وفارق إذن الراهن بالتأخير لأنه ملكه .

فصل : وإذا أذنا للعدل في بيع الرهن بعد شهر فباعه قبل مضي الشهر كان بيعه باطلا وكان لقيمته بالتسليم ضامنا ، ولو أذنا في بيعه بالكوفة فباعه بالبصرة كان بيعه جائزا إذا كان الثمنان واحدا وكان لثمنه ضامنا .

والفرق بينهما أن قبل الشهر غير مأذون له في بيعه فبطل بيعه ، وإذا نقله من بلد إلى بلد كان مأذونا في بيعه فجاز بيعه وضمن ثمنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية