الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو قال له أحدهما بع بدنانير والآخر بع بدراهم لم يبع بواحد منهما لحق المرتهن في ثمن الرهن وحق الراهن في رقبته وثمنه وجاء الحاكم حتى يأمره بالبيع بنقد البلد ثم يصرفه فيما الرهن فيه " .

[ ص: 149 ] قال الماوردي : وهذا صحيح ، وجملته أنه لا يخلو حال إذنهما للعدل في الثمن الذي يبيع الرهن به من أربعة أقسام :

أحدها : أن يعينا في الإذن جنس الثمن فيأذنا له في بيعه بالدراهم أو يأذنا له في بيعه بجنس من الأمتعة والعروض ، فلا يجوز للعدل أن يبيع الرهن إلا بالثمن الذي عيناه له ، فإن باعه بغيره كان بيعه باطلا وكان لقيمته بالتسليم ضامنا .

والقسم الثاني : أن يطلقا الإذن ولا يعينا جنس الثمن فواجب على العدل أن يبيعه بغالب نقد البلد سواء كان من جنس الحق أو من غيره .

وقال الشافعي في كتاب " الأم " : يبيعه بجنس حقه .

قال أصحابنا : إنما أراد بجنس حقه إذا كان من غالب نقد البلد ، فإن لم يكن من غالب نقد البلد باعه بغالب نقد البلد ، وإن لم يكن من جنس حقه ، فحملوا إطلاقه على هذا التقييد ، فإن كان غالب نقد البلد دراهم لم يجز أن يبيعه بدنانير ، وإن كان غالب نقد البلد دنانير لم يجز أن يبيعه بدراهم ، فإن فعل كان بيعه باطلا وكان لقيمته بالتسليم ضامنا .

القسم الثالث : أن يأذنا له في بيعه بما رأى من الأثمان فله بيعه بما رأى من الدراهم والدنانير سواء باعه بغالب نقد البلد أو بغيره ، وليس له أن يبيعه بالبر أو بالشعير ، لأن مطلق الأثمان يتناول الفضة والذهب دون غيرهما إلا أن يصرحا به في إذنهما فإن باعه بذلك كان بيعه باطلا .

والقسم الرابع : أن يختلفا عليه في الإذن وهي مسألة الكتاب فيأذن أحدهما في بيعه بالدراهم ويأذن الآخر في بيعه بالدنانير ، فلا يخلو حال ما اختلفا فيه من ثلاثة أضرب :

أحدها : أن يكون غالب نقد البلد وجنس الحق هو ما أذن به المرتهن دون الراهن ، فلا يجوز للعدل أن يبيعه بما أذن به المرتهن ولا بما أذن به الراهن ، أما ما أذن به الراهن فلأن حق المرتهن في غيره وأما ما أذن به المرتهن فلأن ملك الرقبة لغيره .

والضرب الثاني : أن يكون غالب نقد البلد وجنس الحق ما أذن به الراهن دون المرتهن ، فهذا يبيعه العدل بما أذن به الراهن دون المرتهن ، لأن المرتهن يملك إمساك الرهن ثم الإذن في بيعه إما بجنس الحق أو بغالب نقد البلد ، فإذا أذن في بيعه بغيرهما كان إذنا في البيع داعيا إلى بيعه بما لا يستحق ، فكان إذنه ماضيا وما دعى إليه من بيعه بما لا يستحق مردودا ، فلذلك جاز القول ببيعه بما أذن به الراهن ولم يقف ذلك على إذن الحاكم لأن إذن الحاكم إنما يكون موقوفا على اجتهاده في تقليب قول أحدهما .

[ ص: 150 ] والضرب الثالث : أن يكون غالب النقد ما أذن فيه أحدهما إما الراهن أو المرتهن وجنس الحق ما أذن به الآخر إما الراهن أو المرتهن ، فليس للعدل أن يبيعه بما قال كل واحد منهما لأن لكل واحد منهما حقا فيما دعا إليه فافتقر إلى إذن الحاكم ليكون موقوفا على اجتهاده ، فأما الشافعي فإنه أطلق القول في اختلافهما بأن ليس للعدل بيعه بقول واحد منهما وساعده أصحابنا على هذا الإطلاق ، وإطلاقه عندي محمول على ما وصفت لأن تعليله يقتضيه .

فصل : فإذا ثبت أن ليس للعدل بيعه إذا اختلفا على ما وصفت فقد قال الشافعي : وجاء العدل إلى الحاكم حتى يأمره بالبيع بنقد البلد ، وفي هذا الكلام إضمار لأن العدل لا ينبغي له أن يأتي الحاكم ابتداء إذ ليس في بيعه حق له ولا عليه فيأتي الحاكم مستعديا ، وإنما الحق للراهن والمرتهن وإضمار ذلك أن الراهن أو المرتهن ، جاء إلى الحاكم مستعديا فإن الحاكم يحضر العدل حتى يأمره ببيعه بنقد البلد إذا كان الحظ لهما ، فإن كان نقد البلد من جنس الحق تقدم بدفعه إلى المرتهن وإن كان من غير جنسه تقدم بصرفه في جنس الحق ثم دفعه إلى المرتهن والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية