مسألة : قال  
الشافعي   رضي الله عنه : " ولو اشترطا أن يكون المبيع نفسه رهنا فالبيع مفسوخ من قبل أنه لم يملكه المبيع إلا بأن يكون محبوسا على المشتري " .  
قال  
الماوردي      : وهذا كما قال ، إذا  
شرطا في عقد البيع أن يكون ما ابتاعه رهنا على ثمنه  كان رهنا باطلا وبيعا باطلا ، أما بطلان الرهن فلمعنيين :  
أحدهما : أنه عقد الرهن عليه قبل ملكه له : لأنه يملك ما ابتاعه ، إما بالعقد والافتراق ، أو بالعقد وحده ، وهو عقد الرهن عليه قبل وجود هذين ، فكان رهنا له قبل ملكه ، والرهن قبل الملك باطل .  
والثاني : أن عقد الرهن ينفي ضمان الثمن : لأنه عقد أمانة فإذا وجب ضمانه بالتعدي كان مضمونا بالقيمة دون الثمن ، والمبيع قبل القبض مضمون على بائعه بالثمن .  
فإذا جعل المبيع المضمون بالثمن رهنا  لا يجب ضمانه بالثمن ، صار مشترطا في الرهن ضمانا ينافيه فبطل .  
فأما بطلان البيع فلمعنيين .  
أحدهما : أن عقد البيع يوجب تسليم المبيع ، وعقد الرهن يوجب حبس المرهون ، فإذا اشترط أن يكون المبيع رهنا فقد شرط في البيع تأخير التسليم ، وبيوع الأعيان بشرط تأخير التسليم باطلة .  
والثاني : أن عقد البيع ينقل منافع المبيع للمشتري كما ينقل الملك ، فإذا شرط ارتهان المبيع فقد شرط لنفسه منفعة المبيع ، كان البيع باطلا .  
فإن قيل : ارتهان المبيع إنما هو حبس المبيع على ثمنه وللبائع أن يحبس ما باعه حتى يقبض ثمنه ، فإذا كان ذلك جائزا من غير شرط ارتهانه كان مع شرط ارتهانه أولى بالجواز .  
قيل الفرق بينهما من وجهين :  
أحدهما : أن المبيع المحبوس على ثمنه مضمون بالثمن والرهن ينفي ضمان الثمن .  
والثاني : أن المبيع المحبوس على ثمنه يمنع من بيعه عند تأخر ثمنه والرهن يوجب بيعه عند تأخر ما رهن به ، فافترق حكمهما من هذين الوجهين .  
فصل : فإذا  
تبايعا سلعة بشرط أن يسلمها إلى المشتري فإذا صارت في قبض المشتري      [ ص: 189 ] رهنها عند البائع على ثمنها  كان الرهن باطلا والبيع باطلا ، أما بطلان الرهن فلمعنى واحد وهو أنه رهنه قبل ملكه ، وأما بطلان البيع فلمعنى واحد وهو أنه شرط منفعة ما باعه .  
فصل : فلو باع سلعة بغير شرط رهن المبيع ، ثم إن المشتري رهنها قبل قبضها عند بايعها أو غير بايعها ، فهذا على ضربين :  
أحدهما : أن يرهنها قبل التفرق ، فالبيع جائز لسلامته من شرط يفسده والرهن باطل سواء رهنه عند البائع أو غير البائع : لأنه قبل التفرق غير مستقر الملك .  
والضرب الثاني : أن يرهنه بعد التفرق فهذا على ضربين :  
أحدهما : أن يكون البائع لم يقبض الثمن فرهنه غير جائز سواء رهنه عند البائع أو عند غيره ، لأن للبائع حبس المبيع على ثمنه فلا معنى لارتهانه على ثمنه ، ولا عند غير بائعه لحق البائع في حبسه .  
والضرب الثاني : أن يكون البائع قد قبض الثمن ، ففي جواز رهنه ثلاثة أوجه :  
أحدها : أنه يجوز رهنه عند بائعه وغير بائعه ، وهو قول طائفة من  
البغداديين   وهذا مذهب من جوز إجارة المبيع قبل قبضه .  
والوجه الثاني : أن هذا لا يجوز لا من بائعه ولا من غير بائعه وهو قول  
أبي علي بن أبي هريرة   وطائفة ، وهذا مذهب من منع من إجارة المبيع قبل قبضه .  
والوجه الثالث : أن رهنه جائز عند غير بائعه ورهنه عند بائعه غير جائز وهذا قول أكثر البصريين ، لأن رهنه عند بائعه يوجب استدامة ضمانه بالثمن المنافي للرهن ، ورهنه عند غير بائعه ينفي هذا الضمان ، والله أعلم .