الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا تقرر توجيه القولين انتقل الكلام إلى التفريع عليهما ، فإذا قلنا ببطلان الرهن ففي زمان بطلانه وجهان :

أحدهما : أن الرهن قد بطل حين اختلاطه ويجري مجرى تلف الرهن فيكون قاطعا لتمامه واستدامته ، ولا يكون رافعا من أصله ، فعلى هذا لا خيار للمرتهن في فسخ البيع ، كما لا يستحق بتلف الرهن بعد القبض الخيار في فسخ البيع .

والوجه الثاني : أن الرهن باطل من وقت العقد ، ويكون حدوث الاختلاط وإلا على الجهالة به حين العقد فيصير رافعا له من أصله ، وقد أشار إليه أبو علي بن أبي هريرة ، فعلى هذا إذا كان مشروطا في بيع ففي بطلان البيع قولان :

أحدها : أنه باطل .

والثاني : جائز وللبائع الخيار بين إمضاء البيع بالرهن وبين فسخه ، وإذا قلنا بجواز الرهن فلا يخلو حال الراهن من الثمرة الحادثة من ثلاثة أقسام :

أحدها : أن يرهنه إياها .

والثاني : أن لا يسامحه .

والثالث : أن لا يفعل أحدهما ولكن يريد أخذها .

فأما القسم الأول : وهو أن يرهنه إياها فهذا على ضربين :

أحدهما : أن يعلما قدرها أو يتفقا على قدرها ، فرهنها جائز ، سواء رهنها في الحق الأول أو في غيره ، فإن كان في الحق الأول صار مدخلا رهنا ثانيا على رهن أول في حق واحد ، وذلك جائز ، فيكون جميع الثمرة المتقدمة منها والحادثة رهنا في حق واحد ، وإن رهنها في حق ثان صارت الثمرة رهنين في وقتين مختلفين ، وكل واحد من الرهنين مبتاع في الرهن الآخر ، فيكون بقدر الثمرة الأولى الذي قد علماه ، أو اتفقا عليه من نصف أو ثلث رهنا في الحق الأول ، والثمرة الحادثة التي قد علماها أو اتفقا عليها من ثلث أو ثلثين رهنا مساغا في الحق الثاني .

والضرب الثاني : أن لا يعلما قدر الثمرة الحادثة ولا يتفقا عليها ، وإن رهنها في غير الحق الأول كان رهنا باطلا : لأنه رهن مجهول القدر ، وإن رهنها في الحق الأول فعلى وجهين :

[ ص: 239 ] أحدهما : أنه رهن باطل للجهالة بقدره .

والثاني : أنه رهن جائز : لأن الرهن الثاني إذا دخل على رهن أول صارا جميعا رهنا واحدا ، والجميع معلوم ، وإن جهل قدر الثاني فلا يمنع صحة الرهن للجميع جهالة قدر الثاني ، وهذا حكم القسم الأول ، وأما القسم الثاني : وهو أن يسامحه بها فيقول : قد سامحتك بالثمرة الحادثة ، فهذه المسامحة تترك المطالبة بها ، وليست رهنا وله أن يرجع فيها متى شاء ، ويطالبه بها ، وما لم يطالبه بها فهي تابعة للرهن تباع معه إذا بيع ، وتكون هذه المسامحة قطعا للاختلاف والمنازعة .

وأما القسم الثالث : وهو أن لا يرهنها ولا يسامح بها ويطالب بأخذها فله ذلك : لأنها غير داخلة في الرهن ، فإن اتفقا على قدرها وأنها ثلث الجملة أو ربعها سقط النزاع ، وكان ذلك العقد من الجملة مشاعا في الثمرة خارجا من الرهن ، وإن اختلفا في قدرها فقال الراهن : هي النصف ، وقال المرتهن ، هي الثلث فالقول قول الراهن مع يمينه : لأنه حلف في قدر الرهن ، واختلافهما في قدر الرهن يوجب أن يكون القول قول الراهن .

فإن قيل : فهلا كان اختلافهما في قدر المرهون بعد الاختلاط إذا لم يقدح ذلك في صحة الرهن يوجب فسخ الرهن ، كما أن اختلاف المتبايعين في قدر المبيع بعد الاختلاط إذا لم يقدح في صحة البيع يوجب فسخ البيع ، قيل : هما سواء إذا كان اختلافهما في المبيع فيما لا يتميز أوجب فسخ البيع كالبقول المبيعة بشرط الجز ، فإذا تأخر جزها حتى زادت وطابت فأحد القولين : إن البيع باطل ، والقول الثاني : جائز .

فإن اتفقا على قدر الزائد منها صح البيع ، وإن اختلفا فسخ البيع ، وكذا لو كانت زيادة المرهون غير منفصلة كالعلف إذا طال والبقل إذا زاد ، فأحد القولين أن الرهن باطل ، والثاني جائز ، فإن اتفقا على قدر الزيادة فالرهن صحيح ، وإن اختلفا في فسخ الرهن لم يرجع إلى قول الراهن : لأن ما لا ينفصل يستحيل العلم بحقيقة قدره ، وهل الزيادة المنفصلة إذا اختلطت بالرهن إذا كانت في البيع كان الحكم فيها كالحكم في الرهن فاستويا .

التالي السابق


الخدمات العلمية