الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فأما ما إن كان عين مال البائع قد تعلق به في يد المشتري حق لغيره فلا يخلو من أحد أمرين :

إما أن يمنع من التصرف في الرقبة ، أو لا يمنع ، فإن لم يمنع من التصرف لم يمنع من استرجاع البائع له ، وذلك أن يكون المشتري قد أجره أو يكون عبدا قد زوجه فللبائع أن يرجع به بعد إجارته وتزويجه والإجارة [ ص: 271 ] على حالها والأجرة للمشتري تقسم بين غرمائه دون البائع ، لأن المشتري قد ملكها بعقد الإجارة ، وكذلك صداق الأمة المزوجة وإن كان الحق الذي تعلق به مانعا من تصرف المشتري في رقبته مثل الرهن والكتابة والجناية منع البائع من استرجاعه وضرب مع الغرماء بثمنه ، فإذا رهنه المشتري كان المرتهن أولى بثمنه ولا حق لمانعه في استرجاعه ، لأن البائع يقوم في استرجاعه مقام المشتري ، فلما كان المشتري ممنوعا منه ، فأولى أن يكون البائع ممنوعا منه ، وكذلك لو كاتبه كتابة صحيحة لم يكن للبائع استرجاعه ، لأن الكتابة قيد أزالت يد المشتري عنه فأولى أن يزيل يد البائع عنه ، وكذلك لو جنى جناية تعلق أرشها برقبته كان المجني عليه أولى بثمنه كالمرتهن ولا حق للبائع في استرجاعه ، فلو فك من الرهن وعجز في الكتابة وأبرئ من الجناية فإن كان ذلك بعد أن ضرب بثمنه البائع من الغرماء فلا حق له في استرجاعه ، وإن كان قبل أن يضرب بالثمن مع الغرماء فهل له الفسخ واسترجاعه عين ماله أم لا ؟ على وجهين :

أحدهما : لا حق له في استرجاعه ويضرب مع الغرماء بثمنه : لأنه صار إلى حال زال عنه حكم الاسترجاع .

والوجه الثاني : له استرجاعه بالفسخ وأخذه بالثمن لقوله صلى الله عليه وسلم : فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه فلو كان المشتري قد باعه وكان البيع قد لزم بالافتراق وتقضى زمن الخيار منع البائع منه لزوال ملك المشتري عنه ، وإن كان البيع لم يلزم بعد لبقاء زمان خيار المجلس أو خيار الثلاث كان للبائع استرجاعه كما كان ذلك للمشتري الذي باعه ، فلو كان المشتري قد وهبه ولم يقبضه كان للبائع استرجاعه ؛ لأن الهبة قبل القبض لا تلزم ، ولو كان قد أقبضه لم يسترجعه البائع ، فلو كان المشتري قد أقرضه وأقبضه كان للبائع استرجاعه من يد مقرضه كما كان المشتري بعد قرضه وإقباضه أن يسترجعه ، فلو كان المشتري قد أخرجه عن ملكه ببيع أو هبة ثم رجع إلى ملكه بابتياع أو هبة أو إرث فهل يستحق البائع استرجاعه أم لا ؟ على وجهين :

أحدهما : لا حق له في استرجاعه : لأنه لما صار إلى حال لا يصح استرجاعه سقط حقه من الرجوع به .

والوجه الثاني : له استرجاعه لوجوده في ملك مبتاعه قبل دفع ثمنه ، فلو كان المشتري قد باعه ثم ابتاعه بثمن لم يدفعه حتى فلس كان البائع الثاني أحق باسترجاعه من الأول ، فإن عفا البائع الثاني عن استرجاعه وضرب مع الغرماء بثمنه فهل يستحق البائع الأول استرجاعه أم لا ؟ على الوجهين الماضيين .

فلو كان المشتري قد باعه على ثالث ثم ابتاعه بثمن لم يدفعه [ ص: 272 ] حتى فلس فحضر الباعة الثلاثة قبل قبض ثمنه كان البائع الثالث أحق باسترجاعه ، فإن عفا الثالث عنه فهل للأول والثاني حق في استرجاعه أم لا ؟ على ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه لا حق لواحد منهما في استرجاعه .

والثاني : يستحقه الثاني دون الأول لأنه أقرب .

والثالث : أنهما يسترجعانه بينهما نصفين فيأخذ كل واحد منهما نصفه بنصف الثمن ويضرب مع الغرماء بالنصف الباقي من الثمن .

التالي السابق


الخدمات العلمية