الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فأما إذا كان المبيع قد زاد فالزيادة ضربان : متميزة وغير متميزة ، فإن كانت الزيادة متميزة كالنتاج والثمرة فهي للمشتري ، وللبائع أن يرجع بالأصل دون الزيادة ؛ لأن من حكم الزيادة المتميزة أن تتبع الملك دون المالك ، ألا ترى أن رد الأصل بالعيب لا يوجب رد زيادته المتميزة ، كذلك في الفلس فإن كانت الزيادة غير مميزة كالطول والسمن فللبائع أن يرجع بالأصل زائدا لأن الزيادة المتصلة من حكمهما أن تتبع الملك دون المالك ، ألا ترى أن رد الأصل بالعيب يوجب رد زيادته المتصلة به ، فإن قيل : أليس الصداق إذا زاد زيادة متصلة غير متميزة منع الزوج إذا طلق قبل الدخول أن يرجع بنصف الصداق زائدا ورجع بنصف القيمة لحدوث الزيادة المتصلة على ملك الزوجة ، فهلا كان في الفلس كذلك ؟ قيل : قد كان أبو العباس بن سريج يسوي بين الموضعين ويقول : إنما رجع البائع بعين ماله زائدا في الفلس لتعذر البذل عليه وإعوازه بالفلس ، والزوج لما لم يتعذر عليه الرجوع ببذل الصداق لم يرجع بنصف الصداق زائدا ، ولو تعذر بذل الصداق من جهتها بحدوث فلسها كان له أن يرجع بنصف الصداق زائدا فاستوى الحكم فيهما مع اليسار في العدول عن العين في الفلس في الرجوع بزيادة العين .

وفرق سائر أصحابنا بين الموضعين ، فكان أبو إسحاق المروزي يفرق بين الفلس والصداق : بأن الصداق لما كان لو تلف رجع الزوج إلى قيمته التي لا تزيد على الصداق ولم يجز أن يرجع مع البقاء بزيادة الصداق ، ولما كان المبيع لو تلف رجع البائع بالثمن الذي قد يزيد على قيمة المبيع كان له أن يرجع مع البقاء بزيادة المبيع ، وكان أبو علي بن أبي هريرة يفرق بينهما بفرق ثان فيقول : إنما لم يرجع الزوج بزيادة الصداق لأنه لم يكن له حق قبل الطلاق ولا تعلق بالصداق ، وإنما استحدث الحق بالطلاق بعد حدوث الزيادة فلم يكن له حق في الزيادة ، وفي الفلس لما كان حق البائع [ ص: 280 ] متقدما على الفلس وكان له تعلق بالمبيع قبل الزيادة جاز أن يرجع بالمبيع بعد حدوث الزيادة ، وكان أبو الفياض البصري يفرق بينهما بفرق ثالث فيقول : لما كان سبب استحقاق الصداق من جهة الزوج بطلاقه صار متهما بالطمع في الزيادة فكذلك لم يكن له الرجوع بالصداق مع حدوث الزيادة ، ولما كان سبب استحقاق البائع عين ماله من جهة المشتري بفلسه انتفت التهمة عن البائع بالطمع في الزيادة فكان له الرجوع بعين ماله مع حدوث الزيادة ، وكان أبو حامد الإسفراييني يفرق بينهما بفرق رابع فيقول : لما كان للبائع أن يعدل عن عين ماله إذا كان موجودا إلى الثمن وإن كان أضعاف القيمة كان له أن يأخذ عين ماله مع حدوث الزيادة ، ولما لم يكن للزوج أن يعدل عن الصداق إذا كان موجودا لم يكن له فيه حق إذا كان زائدا ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية