الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فأما إذا اشترى ثوبا فصبغه لم يكن للبائع حق في صبغه قولا واحدا ؛ لأن الصبغ عين جاوزت الثوب وحلت فيه ، وإذا كان كذلك لم يخل حال الصبغ من ثلاثة أحوال :

أحدها : أن يكون البائع قد اشتراه منه مع الثوب .

والثاني : أن يكون لأجنبي قد اشتراه منه .

[ ص: 306 ] والثالث : أن يكون لنفسه ، فإن كان قد اشترى الصبغ من بائع الثوب ، مثاله : أن يشتري ثوبا يساوي عشرة وصبغا يساوي عشرة فلا يخلو حال الثوب مصبوغا من ثلاثة أحوال :

أحدها : إما أن تكون قيمته لم تزد على قيمة الثوب والصبغ ، أو تكون قد زادت ، أو تكون قد نقصت ، فإن كانت قيمته لم تزد ولم تنقص وكان يساوي بعد الصبغ عشرين درهما فالعمل قد صار مستهلكا ، وللبائع أن يرجع بثوبه مصبوغا ، وإن كانت قد نقصت قيمته بعد الصبغ فصار يساوي خمسة عشر فالعمل قد صار مستهلكا وقد نقص الثوب والصبغ نقصا لا يتميز ، فيكون للبائع الخيار في أن يأخذه مصبوغا بجمع الثمنين وذلك عشرين درهما ، أو يضرب مع الغرماء بها ، فإن كان قد زادت قيمته مصبوغا فصار يساوي بعد الصبغ ثلاثين درهما ، فإن قلنا : إن العمل يجري مجرى الآثار دون الأعيان كان للبائع أن يرجع به زائدا ولا حق للمفلس فيه ، وإن قلنا : إن العمل يجري مجرى الأعيان كانت الزيادة للمفلس يشارك البائع بها في الثوب فيصير شريكا في ثلث الثوب والبائع شريكا في ثلثي الثوب ، وإن كان الصبغ لآخر غير بائع الثوب لم يخل حال الثوب بعد الصبغ من أن يكون قد زاد أو نقص أو لم يزد ولم ينقص ، وإن كان لم يزد ولم ينقص وذلك بأن يكون قيمة الثوب عشرة وقيمة الصبغ عشرة فصارت قيمته مصبوغا عشرين فالعمل مستهلك وبائع الثوب وبائع الصبغ نظيران شريكان فيه نصفين ، فبائع الثوب شريك بنصفه ، وإن نقصت قيمته فصار بعد الصبغ يساوي خمسة عشر فهذا النقصان قدره خمسة وهو داخل على الصبغ دون الثوب ، لأن عين الثوب لم تنقص ، ولأن عين الصبغ تبع للثوب بدخوله عليه ، فيقال لصاحب الصبغ : قد نقص عين مالك نقصا لا يتميز ، فإن اخترت الرجوع به ناقصا صرت شريكا للبائع بثلث ثمنه ولا شيء لك غيره ، وإن لم تختر ضربت مع الغرماء بثمن صبغك ، وكان المفلس شريكا لبائع الثوب بثلث ثمنه ، وبيع الثوب مصبوغا في حقها ، وإن زادت قيمة الثوب مصبوغا فصار يساوي ثلاثين درهما ، فإن قيل : إن العمل يجري مجرى الآثار فلا حق للمفلس في هذه الزيادة ويكون الثوب بين بائع الثوب وبائع الصبغ نصفين ، فتعود الزيادة عليهما ، وإن قيل : إن العمل يجري مجرى الأعيان كانت الزيادة للمفلس وصار شريكا بها في الثوب ، فيصير بائع الثوب شريكا في ثلثه وبائع الصبغ شريكا في ثلثه والمفلس شريكا في ثلثه ، وإن كان الصبغ للمفلس إن كانت قيمة الثوب لم تزد ولم تنقص بأن كانت قيمة الثوب عشرة وقيمة الصبغ عشرة وقيمته مصبوغا عشرين فهما شريكان فيه لكل واحد منهما نصفه ، وإن كانت قيمته قد نقصت فصار يساوي بعد الصبغ خمسة عشر فالنقص داخل على المفلس مالك الصبغ لما ذكرنا ، ويصير شريكا في الثوب بالثلث ، وإن كانت قيمته قد زادت فصار يساوي مصبوغا ثلاثين ، فإن قيل : إن العمل يجري مجرى الآثار فالزيادة بينهما ويكونان في الثوب شريكين لكل واحد منهما النصف ، وإن قيل : إن العمل جار مجرى الأعيان [ ص: 307 ] فالزيادة للمفلس بحق عمله ويصير شريكا في الثوب ، وصار شريكا في الثوب فيصير بائع الثوب شريكا في ثلثه وبائع الصبغ شريكا في ثلثه والمفلس شريكا في ثلثه ، وكان الصبغ للمفلس فإن كانت قيمة الثوب لم تزد ولم تنقص ، فإن كانت قيمة الثوب عشرة وقيمة الصبغ عشرة وقيمته مصبوغا عشرين فهما شريكان فيه لكل واحد منهما نصفه ، وإن كانت قيمته قد نقصت فصارت تساوي بعد الصبغ خمسة عشر فالقصر داخل على المفلس مالك الصبغ لما ذكرنا ويصير شريكا في الثوب بالثلث ، وإن كانت قيمته قد زادت فصار يساوي مصبوغا بثلاثين فإن قيل : إن العمل يجري مجرى الآثار فزيادتها بينهما فيكونان في الثوب شريكين لكل واحد منهما النصف ، وإن قيل : إن العمل يجري مجرى الأعيان فالزيادة للمفلس بحق عمله بثمن الصبغ وبالزيادة ويكون ثلثا الثمن للمفلس وثلثه للبائع .

التالي السابق


الخدمات العلمية