الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولا غاية لحبسه أكثر من الكشف عنه ، فمتى استقر عند الحاكم ما وصفت لم يكن له حبسه ولا يغفل المسألة عنه " .

قال الماوردي : وهذا كما قال ، إذا حبس المفلس لغرمائه لعدم البينة بعسرته استكشف الحاكم أمره ولم يجز أن يعقله ، وقال مالك : يجب أن يعقله حتى تقوم البينة بعسرته ولا يجوز أن يتولى الحاكم الكشف عن حاله لأن ذلك ميل وإسقاط الحق ، وهذا ليس بصحيح ، لأن الحاكم لا يلزمه استيفاء الحق ، بل يلزمه رفع الظلم ، وحبس المفلس إن كان معسرا ظلم والمحبوس لا يقدر على إقامة البينة ، فلزم الحاكم أن يتولى الكشف عن حاله ليقر الحق مقره ، وإذا كان كذلك فمتى قامت عنده البينة بإعساره بعد الكشف عن حاله وجب إطلاقه في الحال من غير أن ينتظر به بقضي مدة ، وقال أبو حنيفة فيما رواه محمد عنه : يحبس ستة أشهر ثم يخلى ، وروى الحسن بن زياد : أنه يحبس أربعة أشهر ثم يخلى ، وروى غيرهما : أنه يحبس أربعين يوما ثم يخلى ، وكل هذا فاسد لقوله تعالى : وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة [ البقرة : 280 ] ولأن كل موضع دلت البينة على صدق المدعي لم يجز تأخيرها عن تأخير الحكم بها كسائر الدعاوي ، ولأنه لما كان قيام البينة بعسرته قبل الحبس توجب تركه في الحال كذلك بعد الحبس ، فإذا ثبت أنه يطلق في الحال عند قيام البينة بعسرته فإن الحاكم [ ص: 337 ] يحلفه لجواز أن يكون له مال ، فإن حلف أطلقه ، وإن نكل فعلى وجهين حكاهما ابن أبي هريرة :

أحدهما : يطلقه بالبينة التي هي ظاهر حاله .

والوجه الثاني : أن يترك محبوسا حتى يحلف ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية