الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فأما الإنبات فقد منع أبو حنيفة أن يكون له بالبلوغ تعلق لقوله صلى الله عليه وسلم " رفع القلم عن ثلاثة " وذكر من ذلك الصبي حتى يحتلم ، فجعل الاحتلام حدا لبلوغه ، ولأنه لما لم يكن إنبات شعر الوجه بلوغا فأولى ألا يكون إنبات شعر العانة بلوغا .

والدلالة على أنه يكون بلوغا أن سبي بني قريظة نزلوا من حصونهم على حكم سعد ابن معاذ الأشهلي رضي الله عنه ، فقال سعد : حكمي فيهم أن من جرت عليه الموسى قتل ، ومن لم تجر عليه استرق ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هذا حكم الله من فوق سبعة أرقعة لأن السماء رقع ، ولأن شعر العانة والإنزال يختصان بعضو يحدثان عند وقت البلوغ بالإنزال شرعا وجب أن يتعلق بالإنبات شرعا .

وتحريره قياسا أنه أحد نوعي ما يتعلق به البلوغ عرفا ، فوجب أن يتعلق به البلوغ شرعا كالإنزال ، وبهذا المعنى من الاستدلال فرقنا بين شعر الوجه وبين شعر العانة .

فأما الخبر فليس في ظاهره مع ما ذكرنا من النص والاستدلال حجة .

فإذا تقرر ما ذكرنا وأن الإنبات يتعلق به البلوغ في المشركين فهل يكون بلوغا فيهم أو دلالة على بلوغهم ؟ فيه قولان :

أحدهما : أنه يكون بلوغا فيهم كالإنزال ، فعلى هذا يكون بلوغا في المسلم أيضا .

والقول الثاني : أن يكون دلالة على بلوغهم ، لأن سعدا جعله دليلا عند تعذر العلم بسنهم .

[ ص: 344 ] فعلى هذا هل هو دلالة على بلوغ المسلمين أم لا ؟ على قولين :

أحدهما : أنه يكون دلالة على بلوغ المسلمين ، لأن ما تعلق به البلوغ لا فرق فيه بين المسلمين والمشركين .

والقول الثاني : أنه لا يكون دلالة على بلوغ المسلمين وإن كان دلالة على بلوغ المشركين ، والفرق بينهما من وجهين :

أحدهما : أن المشرك تغلظ أحكامه ببلوغه كوجوب قتله وأخذ جزيته ، فانتفت عنه التهمة في معالجة الإنبات .

والمسلم تخفف أحكامه ببلوغه في فك حجره وثبوت ولايته وقبول شهادته فصار متهما في معالجة الإنبات .

والثاني : أن الضرورة دعت إلى جعل الإنبات بلوغا في المشرك لأن سنه لا يعلم إلا بخبره ، وخبر المشرك لا يقبل .

ولم تدع الضرورة إلى ذلك في المسلم ، لأن خبره في سنه مقبول ، ثم لا اعتبار في الإنبات إلا أن يكون شعرا قويا ، فأما إن كان زغبا فلا ، فلو أن غلاما من المسلمين نبت الشعر على عانته فشهد له عدلان من المسلمين أنه لم يستكمل خمس عشرة سنة فيكون بلوغه على القولين ، إن قيل : إن الإنبات يكون بلوغا حكم ببلوغه وإن كان سنه أقل من خمس عشرة سنة ، وإن قيل : إن الإنبات دلالة على البلوغ لم يحكم ببلوغه إذا علم نقصان سنه ، وهذه فائدة القولين ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية