الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما صفة الاختبار فقد يكون بثلاثة أشياء :

أحدها : ما كان اختبارا لدينه ، وهو لزوم العبادات وتجنب المحظورات وتوقي الشبهات .

والثاني : ما كان اختبارا لماله ، وهو التوصل إلى الاكتساب والقصد في الإنفاق .

والثالث : ما كان مشتركا في اختبار دينه وماله ، وهو حاله فيمن يصاحب من الناس أو يخالط ، فإذا تقرر هذا فلا يخلو حال المولى عليه من أن يكون غلاما أو جارية .

فأما الغلام فلا يخلو من أحد أمرين :

إما أن يكون ممن يستبذل بدخول الأسواق ، أو ممن يصان عنها ، فإن كان ممن يدخل الأسواق أذن له الولي في دخول السوق التي تليق بمثله ودفع إليه يسيرا من ماله وراعى ما يكون من بيعه وشرائه وأخذه وعطائه .

فإن كان شديدا فيها حسن التدبير لها لا يغبن في شيء منها لم يقنع منه بدفعة واحدة حتى يراعى ذلك منه ثانية وثالثة ؛ لأنه قد يجوز أن تكون الأولى منه اتفاقا لا قصدا ، فإذا تكرر ذلك منه علم صحة قصده فيه ، كالكلب إذا علم فأمسك مرة لم يصر معلما لجواز أن يكون منه بالاتفاق ، فإذا تكرر منه صار قصدا فصار معلما .

فإذا رآه الولي مرارا يمضي على شاكلته في القصد وصواب التدبير وحسن التقدير علم رشده في المال .

وإن رآه على خلاف ذلك من فساد القصد وحصول الغبن علم أنه غير رشيد في المال .

وإن كان ممن يصان عن الأسواق فاختباره أشد فيدفع إليه نفقة يوم ، ثم من بعدها نفقة أسبوع ، ثم نفقة شهر ، ورعاه الولي في تقديرها وصرفها في وجوهها ، وإن كان صاحب ضيعة أذن له في تدبيرها ، فإن رآه مصيب الرأي فيها واضعا للأمور مواضعها يقدر النفقة على واجبها علم رشده في ماله ، وإن رآه بخلاف ذلك علم أنه غير رشيد فيه فهذا اختبار رشده في المال .

وأما اختبار رشده في دينه فهو بمراعاة ما هو عليه من فعل الطاعات واجتناب المعاصي ومصاحبة من يخالط ويماشي ، فإن كان مقبلا على عباداته في أوقاتها الراتبة مجانبا للمعاصي والشبهات مماشيا لأهل الخير والصلاح محافظا على مروءة مثله علم رشده في دينه .

وإن كان خلاف هذا فهو غير رشيد في الدين .

[ ص: 352 ] فإذا اجتمع رشده في دينه وماله وجب فك حجره ، فإن كان الولي أبا أو جدا انفك الحجر عنه برشده من غير حكم حاكم ؛ لأن ولاية الأب لما ثبتت بغير حكم ارتفعت بالرشد من غير حكم ، وإن كانت الولاية لأمين حاكم لم ترتفع عنه إلا بحكم ؛ لأنه لما ثبتت ولايته بحكم لم ترتفع إلا بحكم ، وإن كانت الولاية لوصي أب أو جد فعلى وجهين :

أحدهما : أنها ترتفع بالرشد من غير حكم كالأب لثبوتها للوصي بغير حكم .

والثاني : أنها لا ترتفع إلا بحكم لأن ولاية الوصي لم تثبت إلا بغيره كأمين الحاكم .

فإذا صار مفكوك الحجر بما ذكرنا وجب تسليم ماله إليه ، فإن منع منه صار المانع له منه مع زوال العذر ضامنا له ، فإن عقد له فيه عقدا من بيع أو شراء كان عقده باطلا .

التالي السابق


الخدمات العلمية