الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإذا حجر الإمام عليه لسفهه وإفساده ماله أشهد على ذلك " .

قال الماوردي : وهذا صحيح ، لأن حجر السفه لا يثبت إلا بحكم حاكم بخلاف حجر الصغر والجنون ، لأن ثبوت السفه يكون باجتهاد فلم يثبت إلا بحكم حاكم ، والصغر والجنون لا اجتهاد فيه وهو بالنص ، فثبت بغير حكم ، وسواء كان للسفيه أب وأم ، فإذا ثبت عند الحاكم من سفهه ما يستحق به الحجر عليه حجر عليه .

وحجر السفه أعم من حجر الفلس ، لأن حجر الفلس يختص بماله دون عقوده التي لا تعلق لها بماله ، وحجر السفه عام في جميع عقوده ، فيقول في السفه : قد حجرت على فلان ، بخلاف الفلس في الوجهين الماضيين ؛ لأن لفظ الحجر أعم .

فإذا حجر عليه قولا على ما مضى أشهد على نفسه بالحجر عليه ، وهل ذلك شرط في ثبوت الحجر عليه أم لا ؟ على وجهين :

أحدهما : لا يفتقر إلى الشهادة لأن الحجر حكم ، وثبوت الحكم لا يفتقر إلى الإشهاد كسائر الأحكام .

والوجه الثاني وبه قال أبو علي بن أبي هريرة : أن الحجر لا يصح إلا بالإشهاد عليه ؛ لأن المقصود بالحجر إظهار منعه من التصرف في ماله ليتحفظ الناس من معاملته ، وهذا المعنى لا يحصل إلا بالإشهاد .

فعلى هذا لا يتم الحجر قبل الإشهاد ، ويكون جائز التصرف ، فإذا أشهد فقد تم الحجر .

ويختار له بعد الإشهاد أن ينادي في الناس بإيقاع الحجر عليه ليكون أشهر لأمره .

[ ص: 359 ] فإن لم يناد فيهم بالحجر عليه جاز وكان تصرفه بعد الإشهاد مردودا ، وسواء أظهر الشاهدان ذلك أو كتماه ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية