الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ ص: 365 ] كتاب الصلح

أملي علي كتاب أبي يوسف وما دخل فيه من اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى .

مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا " .

قال الماوردي : والأصل في جواز الصلح الكتاب والسنة والأثر والاتفاق ، فأما الكتاب فقوله تعالى : لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس [ النساء : 114 ] .

وقال تعالى : وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما [ النساء : 128 ] الآية .

وقال تعالى : وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما [ النساء : 35 ] .

وأما السنة فما روى عبد الله ، عن أبي أيوب الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا أيوب ألا أدلك على صدقة يرضى الله موضعها ، قلت : بلى يا رسول الله ، قال : تسعى في صلح بين اثنين إذا تفاسدوا ، وتقارب بينهم إذا تباعدوا .

وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا .

وروى كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني ، عن أبيه ، عن جده ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال بن الحرث اعلم أن الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما ، والمسلمون على شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما .

[ ص: 366 ] وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بكعب بن مالك وهو يلازم غريما له يقال له ابن أبي حدرد وقد ارتفعت بينهما خصومة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لكعب خذ منه الشطر ودع الشطر .

وأما الأثر فما روى الشافعي عن عمر رضي الله عنهما أنه قال في عهده إلى أبي موسى الأشعري : الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا .

وروي أن أكثر قضايا عثمان رضي الله عنه كانت صلحا .

وقد قيل في تأويل قوله تعالى : وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب [ ص : 20 ] ثلاثة تأويلات :

أحدها : الصلح بين الخصوم .

والثاني : فصل الحكم بنفسه من غير استخلاف فيه .

والثالث : سرعة القضاء وبت الحكم .

وأما الاتفاق فهو إجماع المسلمين على جواز الصلح وإباحته بالشرع .

وإنما اختلف أصحابنا هل هو رخصة لاستثنائه من جملة محظورة أو هو مندوب إليه لكونه أصلا بذاته ؟ على وجهين :

أحدهما : وهو ظاهر قول أبي إسحاق المروزي وأبي علي بن أبي هريرة أنه رخصة لأنه فرع لأصول يعتبر بها في صحته وفساده وليس بأصل بذاته فصار لاعتباره بغير رخصة مستثناة من جملة محظورة .

والوجه الثاني وإليه ذهب أبو الطيب بن سلمة أنه مندوب إليه لكونه أصلا بذاته قد جاء الشرع به وجرى العمل عليه ، وقد أشار إلى القول به أبو حامد .

التالي السابق


الخدمات العلمية