الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو صالح عنه رجل يقر عنه بشيء جاز الصلح وليس للذي أعطى عنه أن يرجع عليه لأنه تطوع به " .

[ ص: 373 ] قال الماوردي : وصورتها ما شرحه الشافعي في " الأم " أن يريد الرجلان الصلح ويكره المدعى عليه الإقرار .

قال الشافعي رحمه الله : فلا بأس أن يقر رجل عن المدعى عليه ثم يؤدي إلى المدعي ما يتفقان عليه فيكون صحيحا ، وهذا على ضربين :

أحدهما : أن تكون الدعوى حقا في الذمة .

والثاني : أن تكون عينا قائمة .

فإن كانت الدعوى حقا في الذمة جاز أن يصالح أجنبيا عنه بعد الإقرار عنه سواء أذن له في الصلح عنه أو لم يأذن ، لأن هذا الصلح إنما يوجب إسقاط الدين والبراء منه ، وذلك لا يفتقر إلى إذن من عليه الدين ، ألا تراه لو قضى الدين عنه بغير إذن صح ، فكذلك إذا صالح عنه بغير إذنه صح .

وإذا كان كذلك فمن شرط هذا الصلح أن يقر عنه الأجنبي بالحق فيقول : حقك ثابت على فلان فصالحني عنه .

وهل يحتاج أن يقول : وقد أقر عندي به ؟ على وجهين :

أحدهما : أنه يحتاج أن يقول : حقك ثابت على فلان وقد أقر عندي به ليصح أن يكون عالما بثبوت الحق عليه .

والوجه الثاني : لا يحتاج إلى ذلك ؛ لأنه قد يعلم بذلك عن إقراره تارة وبغير إقراره أخرى .

فإذا أقر فصالح عنه صح الصلح ولزم المصلح عن غيره دفع ما اتفقا على الصلح به ، وبرئ المدعى عليه من المدعي ، ولم يكن للمصالح أن يرجع عليه بما صالح به ما لم يأذن له فيه ؛ لأنه تطوع بالغرم عنه كما لو تطوع بقضاء دينه .

فأما إذا أذن له في الصلح عنه فهذا على ضربين :

أحدهما : أن يأذن له في الصلح عنه دون الأداء فيقول : صالح عني ، فلا رجوع له بما أداه في الصلح ؛ لأنه غير مأذون له في الأداء فصار متطوعا .

والضرب الثاني : أن يأذن له في الأداء فينظر في إذنه بالأداء ، فإن قال له : صالح وأد لترجع علي ، فله الرجوع عليه ، وإن قال : أد ولم يصرح بالرجوع ففي رجوعه وجهان :

أحدهما : يرجع عليه لإذنه فيه .

والثاني : لا يرجع عليه لأن أمره بالأداء يحتمل أن يكون لمعنى التطوع به ويحتمل أن [ ص: 374 ] يكون لمعنى الرجوع عليه ، فلم يكن الإذن صريحا في الرجوع به .

التالي السابق


الخدمات العلمية