الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما القسم الخامس وهو شركة الجاه وتسمى شركة الوجوه فهو أن يكون الرجل ذا جاه فيقولان على جاهنا ونشتري متاعا والربح بيننا فهذه شركة الجاه وتسمى شركة الوجوه ، ومن أصحابنا من جعل شركة الجاه من النوع الأول إذا كان الجاه لأحدهما ، وشركة الوجوه إذا كان الجاه لهما ، وهذا خلاف في العبارة والحكم فيها سواء وهي شركة باطلة ، وقال أبو حنيفة : هي شركة جائزة استدلالا بأنها نوع شركة فوجب أن يكون منها ما يصح كشركة العنان .

[ ص: 478 ] ودليلنا أنها شركة في غير مال فوجب أن تكون باطلة كالشركة في الاصطياد والاحتشاش على أنها مبنية على شركة الأبدان وسنذكر الحجاج فيها ، وقد مضى الجواب عن القياس على شركة العنان ، فإذا ثبت أن شركة الجاه لا تصح فلا يخلو حال مشتري المتاع من ثلاثة أحوال :

أحدها : أن يشتري لنفسه .

والثاني : أن يشتري لصاحبه .

والثالث : أن يشتريه بينهما فإن اشتراه بنفسه صح شراؤه وصار ملكا له إن ربح فالربح له وإن خسر فالخسران عليه ولا شيء للآخر في ربحه ولا شيء عليه في خسرانه ، وإن اشتراه كله لصاحبه لم يصح لأنه إنما أذن له في شراء نصفه ويكون الشراء لازما له في النصف الزائد على القدر الذي أذن فيه ، فأما النصف المأذون فيه فيلزم الأمر على شروطه التي نذكرها ولا يخرج على تفريق الصفقة : لأن الصفقة لم تختلف في الصحة والفساد ، وإن اشتراه بينهما فهو في النصف مشتر لنفسه فلزمه ذلك وفي النصف الآخر في حكم المشتري لموكله فيصح ذلك بثلاثة شروط : أحدها : أن يكون قد وصف له النوع الذي يتجر فيه سواء كان نوعا أو أنواعا لأن الإذن في شراء ما لم يوصف باطل .

والثاني : أن يقدر له المال الذي يشتري به ؛ لأن ما لم يقدره فلا نهاية له بخلاف شركة المال والمضاربة المقدرتان بالمال فلم يحتج إلى تقديرهما بالذكر .

والثالث : أن ينوي في عقد الشراء أنه له ولصاحبه : لأن ملك المبيع لا ينتقل عن المشتري إلى موكله إلا ببينة سواء كان المأذون في ابتياعه معينا أو غير معين ، وقال أبو حنيفة : إن كان غير معين لم يصح الشراء للموكل إلا ببينة ، وإن كان معينا كقوله اشتر هذا العبد صح الشراء للموكل بغير بينة وهذا فرق يوجب القياس للتسوية بينهما إلا أنه اشترى لغير العاقد فاقتضى أن يكون من شروطه النية ، أصله ما كان غير معين ، وأما ما يشتريه المضارب والشريك فيحتاج إلى نية في أنه في حال المضاربة والشركة فإذا صح الشراء لهما على الشروط المعتبرة كان الربح بينهما نصفين ، والخسران إن كان عليهما نصفين ، ثم للمشتري على شريكه نصف أجرة مثله فيما اشترى وباع لأنه عمل في ماله ومال غيره ، وكذلك كل شركة فاسدة إذا حصل الربح فيها بين الشريكين على قدر المالين وكان العمل لهما رجع كل واحد منهما على صاحبه بنصف أجرة مثله ، فإن تساويا تقاصا وإن تفاضلا ترادا الفضل وإن كان العمل لأحدهما كان للعامل على الآخر نصف أجرة مثله .

[ ص: 479 ] وقال أبو حنيفة : ليس لواحد من الشريكين على صاحبه أجرة في عمله لأن العمل في الشركة لا يقابل شيئا من الربح فلم يكن لوجوده تأثير وهذا خطأ : لأن حكم الشركة إذا زال بفسادها غلب فيها حكم الوكالة على عوض فاسد وذلك موجب لأجرة المثل .

التالي السابق


الخدمات العلمية