الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا ثبت ما وصفناه فقد ينقسم ما تضمنته الوكالة ثلاثة أقسام :

أحدها : ما كان عمل الوكيل فيه مقصورا على ما تضمنته الوكالة دون مقصوده ، وهو ما لم يكن مقصوده واجبا على الموكل كالتوكيل في إثبات الحد والقصاص فلا يجوز للوكيل أن يستوفي الحد والقصاص بعد إثباته لأن استيفاءه غير واجب على موكله .

وهكذا لو وكله في المطالبة بدين لم يكن له قبضه بعد المطالبة وإن وكله في المخاصمة في دار يدعيها لم يكن له قبضها ولو وكله في إثبات منفعة يستحقها لم يكن له انتزاعها وكان عمل الوكيل في هذه الأحوال كلها مقصورا على ما تضمنه الإذن .

وأما القسم الثاني ما كان عمل الوكيل فيه متجاوزا إلى ما تضمنته الوكالة من مقصوده وهو ما كان مقصوده واجبا على الموكل كالتوكيل في بيع أو شرى فله إذا عقد البيع أن يسلم المبيع ويتسلم الثمن وإن لم يصرح له الموكل به لأن عقد البيع أوجب عليه تسليم ما باعه وهو مندوب إلى أن لا يسلم المبيع إلا بعد قبض ثمنه فلذلك جاز أن يتجاوز ما تضمنه العقد إلى تسليم المبيع وقبض ثمنه .

وهكذا لو وكله في شرى سلعة جاز له أن يقبضها ويدفع ثمنها لأن عقد الشرى قد أوجب عليه دفع الثمن وهو مندوب إلى أن لا يدفع الثمن إلا بعد قبض المبيع .

[ ص: 501 ] فإن وكله في بيع على أن لا يقبض الثمن من المشتري صحت الوكالة ولم يكن له قبض الثمن .

ولو وكله فيه على أن لا يسلم المبيع كان في الوكالة وجهان ذكرهما أبو علي الطبري في إفصاحه :

أحدهما : تصح الوكالة كما لو نهاه عن قبض الثمن فإذا أخذ بتسليم المبيع أخذ به الموكل .

والوجه الثاني : أن الوكالة باطلة لأن إقباض المبيع من لوازم البيع فإذا نهاه عنه بطل التوكيل في سببه .

والقسم الثالث : ما اختلف المذهب فيه هل يكون عمل الوكيل مقصورا على ما تضمنه الإذن أو تجوز له المجاوزة إلى ما أدى إليه ، وهو ما لا يتمكن من عمل المأذون فيه إلا به كالوكالة في مقاسمة في دار وقبض الحصة منها إذا جحد الشريك هل يجوز للوكيل المخاصمة فيها وإثبات الحجج والبينات عليها ؟ وكالوكالة في قبض دين إذا جحده المطلوب هل يجوز للوكيل مخاصمته وإثبات البينة عليه ؟ فيه قولان حكاهما ابن سريج تخريجا :

أحدهما : ليس له ذلك ويكون مقصود العمل على ما تضمنه صريح الإذن لأن ما يجاوزه ليس بواجب فيه فشابه القسم الأول .

والقول الثاني : يجوز له ذلك لأنه لا يصل إلى العمل المأذون فيه إلا به فصار بواجباته أشبه كالقسم الثاني والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية