الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : القسم الرابع : أن يكون ذلك وديعة للموكل ويأمر وكيله بإيداعها عند رجل فيدعي الوكيل تسليمها إليه فيكذب في دعواه فلا يخلو ذلك من ثلاثة أقسام :

أحدها : أن يكذبه المالك الموكل في الدفع ، ويكذبه المودع في القبض ففيه وجهان من اختلافهم في وجوب الإشهاد عليه عند الدفع : أحدهما يجب عليه الإشهاد كما يجب عليه في قضاء الدين ، فعلى هذا يكون الوكيل بترك الإشهاد مفرطا ، وقوله في الدفع بعد ضمانه بالتفريط غير مقبول .

والوجه الثاني : أن الإشهاد لا يجب عليه في دفع الوديعة لأن المودع عنده لو ادعى تلفها بعد الإشهاد عليه كان مقبول القول فيه ، فعلى هذا لا يكون مفرطا ، وقوله في الدفع مقبول .

والقسم الثاني : أن يصدقه المالك الموكل ويكذبه المودع فلا ضمان على الوكيل ، وقوله بتصديق الموكل مقبول عليه في سقوط الضمان عنه وغير مقبول على المودع ، فإذا حلف المودع ما تسلم منه الوديعة برئ من الدعوى .

والقسم الثالث : أن يصدقه المودع على قبضها منه ، ويدعي تلفها ويكذبه المالك الموكل ، فقول الوكيل مقبول ، وهو من ضمانها بريء لأن إقرار المودع بالقبض أقوى من الإشهاد عليه ، فلما برئ بالإشهاد عليه فأولى أن يبرأ بالإقرار .

فصل : فأما ولي الطفل فيما يدعيه عليه من مال صرفه إليه فلا يخلو من ثلاثة أقسام :

أحدها : أن يكون أبا أو أمين حاكم أو وصي أب ، فإن كان الولي أبا يلي بنفسه فهو [ ص: 529 ] مقبول القول على ولده إذا بلغ رشيدا فيما أنفقه عليه من ماله ، وفيما دفعه إليه من ماله لانتفاء التهمة عنه ، فكان بقبول قوله على ولده أولى من وكيل الحي .

وإن كان الولي أمين حاكم فقوله فيما أنفقه عليه مقبول ، وفيما رده عليه من ماله غير مقبول لما ندب إليه من الإشهاد عليه .

وقال ابن المرزبان من أصحابنا البغداديين : إن قوله في رد ماله عليه مقبول كقبوله في النفقة ، وهذا خطأ ، والفرق بين النفقة ورد المال من وجهين :

أحدهما : أن النفقة عليه في حال الصغر وحين الولاية يقبل قوله فيها ورد ماله عليه بعد البلوغ والرشد فلم يقبل قوله فيه .

والثاني : أن الإشهاد على النفقة متعذر ، فكان قوله فيها مقبولا ، والإشهاد على رد المال ممكن فلم يقبل قوله فيه ، وهكذا حال ولي المحجور عليه بالسفه يستوي فيه مال الأب وولي الحاكم ، يقبل قوله في النفقة ولا يقبل في رد المال بعد الرشد .

وإن كان ولي الطفل وصيا ففيه وجهان :

أحدهما وهو قول أبي إسحاق المروزي وأبي علي بن أبى هريرة وجمهور أصحابنا أنه كأمين الحاكم يقبل قوله في النفقة ولا يقبل قوله في رد المال لأن ولايته بغيره .

والوجه الثاني : أنه كالأب مقبول القول في النفقة ورد المال ؛ لأن الأب قد أقامه مقام نفسه ، وهذا خطأ لأن أمين الحاكم قائم مقام الحاكم وقوله في رد المال غير مقبول بخلاف الحاكم فكذا الوصي والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية