الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا صار شراء الجارية لازما للوكيل على ما وصفنا ، نظر فإن كان الوكيل قد دفع من مال موكله ، كان ضامنا له ورد مثله .

وإن كان باقيا منع الوكيل من دفع المال الموكل فيه وألزم دفعه من خالص ماله لحصول الشراء له .

قال المزني : والشافعي يستحب في مثل هذا أن يرفق الحاكم بالوكيل حتى يقول للوكيل إن كنت أمرتك أن تشتريها بعشرين فقد بعتها عليك بعشرين .

ويقول للوكيل : اقبل منه الشراء بعشرين ليحل لك الفرق بيقين ولمن يبتاعها منك .

وهذا صحيح لأن الوكيل إن كان صادقا صار بهذا الابتياع مالكا .

وإن كان كاذبا لم يستضر بهذا القول ، فإن قيل : فهذا من الموكل بيع ما هو شاك في تملكه فكان باطلا ، ولم يصر بهذا القول محتاطا كمن شك في إرث مال فباعه وبان أنه كان قد ورثه كان بيعه باطلا للشك .

قيل : الفرق بينهما أن الشك في مسألتنا واقع في ملك المتعاقدين وفي الميراث من العاقد وغيره .

فإن قيل فبيع الموكل معقود بشرط وهو قوله : إن كنت قد أمرتك أن تشتريها بعشرين فقد بعتها عليك بعشرين وهذا شرط يفسد معه البيع ، فاختلف أصحابنا فيما ذكره المزني من ذلك على وجهين :

أحدهما : أن المزني إنما اختار للحاكم أن يقول ذلك لهما تنبيها على معنى هذا العقد [ ص: 546 ] والسبب المعقود به من غير أن يذكراه في نفس العقد ، فإذا ذكراه فيه لم يصح بل يعقداه مطلقا من هذا الشرط ، وهذا قول أكثر البصريين .

والوجه الثاني : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة وجمهور البغداديين : أنه يجوز لهما أن يعقداه كذلك لأنه هكذا يكون في الحكم فجاز أن يكون ملفوظا به في العقد .

فصل : فإذا ثبت ما وصفنا فللموكل حالتان :

أحدهما : أن يجيب إلى بيعها على الوكيل إن كان صادقا فيصير الوكيل مالكا لها ظاهرا وباطنا ويجوز له إمساكها والاستمتاع بها وبيعها وأخذ الفضل عن ثمنها .

والحالة الثانية : أن لا يجيب إلى بيعها فلا يجبر عليه لأنه ليس بمالك ولو كان مالكا لم يجبر على بيع ملكه ، وهل يكون الوكيل مالكا لها أم لا ؟ على وجهين :

أحدهما وهو قول أبي سعيد الإصطخري : أنه قد ملكها ملكا تاما ظاهرا وباطنا ؛ لأن الملك قد انتقل عن الموكل بيمينه فاقتضى أن ينتقل إلى الوكيل بعقده ، فعلى هذا يجوز للوكيل أن يمسكها ويستمتع بها ، وإن باعها ملك الفضل من ثمنها .

والوجه الثاني وهو قول أبي إسحاق المروزي وأبي علي بن أبي هريرة : أنه لا يصير مالكا لها وإنما له أن يأخذ من ثمنها ما غرم فيه لأنه مقر بأنها ملك لموكله ، فعلى هذا لا يجوز أن يستمتع بها وإذا كان في ثمنها فضل لم يملكه .

وهل يجوز أن ينفرد ببيعها أم لا ؟ على وجهين مبنيين على اختلاف وجهي أصحابنا في من له دين لا يقدر على أخذه وقد ظفر بمال لغريمه ، هل يجوز أن يبيعه بنفسه أو الحاكم ؟ على وجهين :

أحدهما : يبيعه بنفسه .

والثاني : يتولاه الحاكم .

وإن كان الثمن بقدر ما دفع نقدا استوفاه ، وإن كان أقل فلا رجوع له بباقيه ، وإن كان أكثر فلا حق له في الزيادة .

وهل يجوز إقرارها في يده لأنه لا خصم له فيها أو ينزعها الحاكم منه على وجهين :

أحدهما : يقرها في يده لأنه لا خصم له فيها .

والوجه الثاني : ينزعها منه لأنه مال قد جهل مستحقه فصار كأموال الغيب ثم يكون مشتري الجارية مالكها على الوجهين جميعا ، ولا يكون عدم ملك البائع لها بمانع من استقرار ملك المشتري عليها كالمشتري من وكيل في بيعها .

التالي السابق


الخدمات العلمية