الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وإذا أمر الرجل وكيله بشراء عبد فلا يخلو حاله من أربعة أقسام :

أحدها : أن يعين العبد ويعين ثمنه .

والثاني : أن لا يعين العبد ولا يعين ثمنه .

والثالث : أن يعين العبد ولا يعين ثمنه .

[ ص: 548 ] والرابع : أن لا يعين العبد ويعين ثمنه .

فأما القسم الأول : وهو أن يعين العبد ويعين ثمنه ، كقوله اشتر لي سالما بمائة دينار ، فلا يخلو من ثلاثة أحوال :

أحدها : أن يشتريه بالمائة .

والثاني : أن يشتريه بأقل منها .

والثالث : أن يشتريه بأكثر منها .

فإن اشتراه بالدنانير لكن بأقل من مائة دينار كأن اشتراه بخمسين دينارا صح ولزم الموكل ؛ لأن حصول العبد له ببعض الثمن أحظ له ، فإن قيل : أفليس لو وكله في بيع عبده على زيد بمائة دينار فباعه عليه بأكثر من مائة دينار لم يجز لأنه وكله في محاباته ، فمثلا إذا وكله في شراء عبد بمائة دينار أن لا يجوز الشراء بأقل منها لأنه قد وكله في محاباته .

قيل : الفرق بينهما أنه إذا وكله في البيع بالمائة لم يجز بيعه بأكثر منها لأنه ممنوع من قبض الزيادة ، وليس للوكيل قبض ما منع من قبضه ، وإذا وكل في الشراء بالمائة جاز الشراء بأقل منها لأنه مأمور بدفع الزيادة ودفع الوكيل البعض جائز وإن منع الزيادة .

ولو أمره أن يشتريه بمائة دينار ، ولا يشتريه بأقل منها فاشتراه بأقل من المائة لم يجز لأنه أعلم بصلاح نفسه .

ولو قال اشتره بمائة دينار ولا تشتريه بخمسين دينارا جاز أن يشتريه بالمائة وبما بين الخمسين والمائة ، ولا يجوز أن يشتريه بخمسين للنهي عنها ، وهل يجوز أن يشتريه بأقل من خمسين ؟ على وجهين حكاهما ابن سريج :

أحدهما : يجوز لأن الوكيل مندوب إلى الاسترخاص إلا ما نهاه عنه من القدر لمعنى هو أعلم به من يمين حلف عليها أو غير ذلك من أمور .

والوجه الثاني : لا يجوز لأن الإذن بالمائة لما دخل فيه ما هو أقل منها كان النهي عن الخمسين داخلا فيه ما هو أقل منها .

فهذا حكم العبد إذا اشتراه بأقل من المائة ، فأما إذا اشتراه بأكثر من المائة كأن اشتراه بمائة وخمسين دينارا أو مائة دينار وقيراط ، فالشراء غير لازم للموكل وهو لازم للوكيل إن لم يشتره بعين المال ، هذا مذهب الشافعي رضي الله عنه .

وقال أبو العباس بن سريج : الشراء لازم للموكل بالمائة دينار التي عين عليها والوكيل [ ص: 549 ] ضامن للزيادة في ماله وعليه غرمها للبائع لأنه يصير لمجاوزته القدر المعين متطوعا بها ، وهذا خطأ لأن الزيادة في جملة الثمن الذي لزم بالعقد فلم يجز أن يتبعض حكمه .

ولو جاز أن تكون الزيادة بقدر المغابنة في الشراء مضمونة على الوكيل مع صحة الشراء للموكل لكان النقصان بقدر المغابنة في البيع مضمونا على الوكيل مع لزوم البيع للموكل .

وهذا مما لم ير به أبو العباس في البيع ، فبطل المذهب إليه في الشراء .

فإن اشتراه بالمائة دينار صح ولزم الموكل .

وإن اشتراه بمائة درهم لم يلزم الموكل وإن كانت الدراهم أقل من قيمته لأن عدوله عن جنس الثمن كعدوله عن عين العبد .

التالي السابق


الخدمات العلمية