الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي - رضي الله عنه - : " وسواء قال له علي دراهم كثيرة ، أو عظيمة ، أو لم يقلها فهي ثلاثة " .

قال الماوردي : وهذا صحيح . إذا قال : له علي دراهم فأقل ما يقبل منه ثلاثة دراهم وهو أقل الجمع المطلق من الأعداد .

وقال بعض المتقدمين من فقهاء البصرة أقل الجمع المطلق اثنان ، فلا يلزمه إلا درهمان واستدل على أن أقل الجمع اثنان لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : الاثنان فما فوقهما جماعة وبقوله تعالى : فإن كان له إخوة فلأمه السدس [ النساء : 11 ] ،

ثم كانت الأم تحجب بالاثنين وإن ذكروا بلفظ الجمع ولأن الجمع مشتق من اجتماع الشيء مع الشيء فاقتضى أن يكون اثنين .

والدلالة على خطأ هذه المقالة الشاذة أن اللسان موضوع على التفرقة بين الآحاد ، والتثنية ، والجمع ، فالآحاد يتناول الواحد من الأعداد ، والتثنية يتناول الاثنين ، والجمع يتناول الثلاثة .

ودليل آخر وهو أن لفظ الواحد يسلم في التثنية ، ولا يسلم في الجمع فلم يجز أن يتفق العدد مع اختلاف صيغة اللفظ الموضوع لهما .

فأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : الاثنان فما فوقهما جماعة فهو الدليل ؛ لأن ذلك لو كان معروفا في اللسان لاستغني فيه عن البيان ؛ لأنه لا يعلم الأسماء وإنما بين الأحكام فأخبر أن حكم الاثنين في الصلاة ، حكم الجماعة بخلاف ما يقتضيه اللسان في اللغة .

فأما حجب الأم بالأخوين فلأن الدلالة قامت فيه على صرف الحكم عما اقتضاه اللسان ألا ترى أن عبد الله بن عباس أنكر ذلك على عثمان - رضي الله عنه - لمخالفته مقتضى اللسان وقال : تركت لسان قومك فلم ينكر عثمان مخالفته لمقتضى اللسان أن الدليل صرفه .

وأما قولهم : إن الجمع مشتق من جمع الشيء إلى الشيء فيقال هو مشتق من اجتماع الجماعة كما أن التثنية مشتقة من اجتماع الاثنين .

[ ص: 17 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية