الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
والكلام في السواك يشتمل على فصلين :

أحدهما : في صفة السواك .

والثاني : ما يستحب به السواك .

فأما صفة السواك ، فيستحب أن يستاك عرضا في ظاهر الأسنان وباطنها ، ويمر السواك على أطراف أسنانه ، وكراسي أضراسه ، ليجلوا جميعا من الصفرة والتغير ، وممره على سقف حلقه إمرارا خفيفا ليزول الخلوف عنه ، فقد كان النبي عليه السلام يشوص فاه [ ص: 86 ] بالسواك ، ويكره أن يستاك طولا من أطراف أسنانه إلى عموده ، لما فيه من إدماء اللثة ، وفساد العمود ، وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : " استاكوا عرضا وادهنوا غبا واكتحلوا وترا " وإنما اختاره أن يدهن غبا ، ولا يدهن في كل يوم ، لما فيه من درن الثوب ، وتنميس الشعر ، وكذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كثرة الأدفاه ، قال أبو عبيد : هو كثرة التدهين ، وإنما يراد الدهن لتحسين البشرة ، وإذهاب النوس .

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ادهنوا يذهب النوس عنكم ، والبسوا تظهر نعمة الله عليكم ، وأحسنوا إلى مماليككم ، فإنه أكبت لعدوكم ، وأدفع لنقمة الله عنكم " ، فأما ما يستحب أن يستاك به ، فهو الأراك ، لرواية أبي خيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستاك بالأراك ، فإن تعذر الأراك ، استاك بعراجين النخل ، فإن تعذر عليه ، استاك بما وجده ، ويختار أن يكون العود الذي يستاك به نديا ، ولا يكون يابسا فيجرح ، ولا رطبا فلا تبقى ، فلو لف على أصبعه خرقة خشنة وأمرها على أسنانه حتى زال الصفرة والخلوف ، فقد أتى بسنة السواك ، نص عليه الشافعي : لأنه يقوم مقام العود في الإنقاء ، فأما خلال أسنانه بالحديد ، أو بردها بالمبرد ، فمكروه لأمرين :

أحدهما : أنه يذيب الأسنان ويفضي إلى انكسارها .

والثاني : أنها تخشن فتراكب الصفرة والخلوف فيها ، ولذلك لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشرة والمستوشرة ، وهي : التي تبرد أسنانها بالمبرد ، فأما الصائم ، فلا يأمن أن يستاك غدوة ، ويكره له أن يستاك عشيا على ما نذكره في كتاب الصيام ، لقوله عليه السلام : لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ، فإن استاك عشيا لم يفسد صومه وإن أساء - والله أعلم - .

التالي السابق


الخدمات العلمية