الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي - رضي الله عنه - : " ولو قال غصبتها من فلان لا بل من فلان كانت للأول ، ولا غرم عليه للثاني وكان الثاني خصما للأول " .

قال الماوردي : وهذا صحيح إذا قال : غصبت هذه الدار من زيد لا بل من عمرو ، أو قال : هذه الدار لزيد لا بل لعمرو ، أو قال : غصبت هذه الدار من زيد وغصبها زيد من عمرو ، أو قال : هذه الدار لزيد وغصبتها من عمرو .

فالدار في هذه المسائل الأربع لزيد الأول المقر له بالملك ، أو بالغصب لأمرين :

أحدهما : تقدم الإقرار له ، والمنع من الرجوع فيه .

والثاني : أنها قد صارت للأول بالإقرار الأول وصار بالإقرار الثاني مقرا في الملك الأول فرد ، ولم يقبل .

[ ص: 39 ] وهل يلزمه غرم قيمتها للثاني بما عقبه من الإقرار له بالملك ، أو الغصب أم لا ؟

على قولين :

أحدهما : نقله المزني هاهنا من كتاب الإقرار ، والمواهب من الأم أن لا غرم عليه .

والقول الثاني : نص عليه الشافعي في كتاب الإقرار بالحكم الظاهر - الذي لم ينقل به المزني شيئا - أن الغرم عليه واجب .

فإذا قيل بسقوط الغرم عنه فوجهه شيئان :

أحدهما : أن المقر قد فعل ما لزمه من الإقرار وإنما رفع الشرع حكمه بالأول فلم يلزمه بعد فعل الواجب غرم .

والثاني : أن عين الدار قائمة ، والقيمة مع وجودها غير مستحقة وإذا قيل بوجوب الغرم عليه فوجهه شيئان :

أحدهما : أنه بالإقرار الأول مفوت لها على الثاني بفعله فصار كالمستهلك فلزمه الغرم .

والثاني : أنه مقر للثاني بالغصب ، والغصب موجب لغرم القيمة عند تعذر العين وإن كانت قائمة ، كالعبد الآبق ، والمغصوب من الغاصب .

فإذا تقرر توجيه القولين فقد اختلف أصحابنا فقال أبو إسحاق وأبو علي بن أبي هريرة لا فرق بين أن يسلمها المقر إلى الأول ، أو يأمره الحاكم لأجل إقراره بتسليمها إلى الأول في أن وجوب الغرم على قولين .

وقال أبو علي الطبري ونفر من أصحابنا : إن سلمها بنفسه لزم الغرم قولا واحدا لما باشره من الأصالة بالتسليم . فإن سلمها الحاكم ، فعلى قولين ؛ لأنه حكم لا يقدر على رده .

وقال أبو حنيفة إن سلمها بنفسه لم يغرم وإن سلمها الحاكم غرم ، قال : لأن تسلم الحاكم تمليك فصار الملك مستهلكا على الثاني فاستحق الغرم وتسليمه بنفسه ليس بتمليك فلم يغرم .

وعكسه ما ذكرنا أشبه بالحق .

التالي السابق


الخدمات العلمية