الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي - رضي الله عنه - : " ولو أقر في عبد في يده لفلان وأقر العبد لغيره فالقول قول الذي هو في يده " .

قال الماوردي : وهذا كما قال : إذا حكم برق العبد في يد رجل ، والحكم برقه يكون من ثلاثة أوجه :

أحدها : البينة القائمة برقه من أحد وجهين :

إما بسبي فلا يقبل فيه إلا شاهدان .

وإما لولادته من أمته عن إصابة زوج ، أو سفاح فيقبل فيه أربع نسوة يشهدن بولادته .

والثاني : اليد وهو أن يلتقط صغيرا مجهول النسب فيدعيه الملتقط عبدا فيحكم له برقه فإذا تصرف فيه تصرف الاسترقاق في استخدامه ثم بلغ وأنكر الرق لم يؤثر إنكاره بعد الحكم برقه .

والثالث : الإقرار أن يدعي رقه بعد البلوغ فيصدق المدعي على استرقاقه فيصير عبدا بإقراره بشرطين :

أحدهما : أن يكون مجهول النسب فإن عرف له نسب يوجب الحرية لم يقبل إقراره .

[ ص: 49 ] والثاني : أن لا يتقدم منه إقرار بالحرية ، فإن كان قد أقر بها ثم أقر بعدها بالرق لم يقبل إقراره .

فإذا حكم برقه من أحد هذه الوجوه الثلاثة وكان في يدي سيده فأقر به السيد لزيد وأقر العبد بنفسه لعمرو فالقول قول السيد دون العبد ؛ لأن العبد مملوك لغيره فصار إقراره إقرارا في ملك غيره ونفذ فيه إقرار السيد لأجل يده ، وإذا كان القول فيه قول السيد نظر فيه فإن قبل زيد إقرار السيد حكم له برقه وكان عمرو إن ادعى رقه خصما لزيد فيه ، وإن لم يقبل زيد إقرار السيد ففيه قولان :

أحدهما : يصير حرا يرتفع رقه بإنكار من صار محكوما له بملكه .

والقول الثاني : أنه يكون على رقه ، ولا يصير حرا ؛ لأن جهالة الملك لا تزيل عن السبي حكم الملك .

فعلى هذا ، هل ترتفع عنه يد السيد أم لا ؟ على وجهين :

أحدهما : يرتفع عنه لزوال ملكه بالإقرار ، فعلى هذا من سبق إلى ادعائه ملكا لم يمنع منه سواء سبق إلى الدعوى من اعترف له العبد بالملك وهو عمرو ، أو غيره .

والوجه الثاني : تقر يد السيد المقر عليه لعدم من هو أحق به ، ويستحق باليد دفع المدعي عنه إلا أن تقوم له بينة بملكه فإن صدقه ثانيا على ما ملكه لم يصر مالكا للعبد في إقراره ؛ لأنه بالإقرار الأول زال ملكه فلم ينفذ إقراره ولكن يلزمه بالإقرار الثاني رفع يده ، ولا يمنع الثاني منه وإن لم يحكم له بالملك لعدم المنازع له . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية