الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وإن طلب الشاهدان المشتريان من تركته قدر ما ورثاه في ثمنه ، قال المزني : لهما ؛ لأنه لا يخلو قولهما بالعتق من صدق ، أو كذب .

فإن كان صدقا فالثمن دين لهما على البائع الجاحد ، والتركة ماله ، وقد تعذر عليهما الوصول إلى الثمن من غيره فجاز أن يتوصلا منه إلى أخذه .

وإن كان قولهما كذبا فهو عبدهما ، وما تركه مال لهما فصارا مالكين لقدر الثمن منه يقينا . فاختلف أصحابنا في ذلك على وجهين : [ ص: 52 ] أحدهما : وهو قول أبي إسحاق وابن أبي هريرة ، والأكثرين من أصحاب الشافعي أن الأمر على ما ذكره المزني وأنه يحكم للمشتريين بقدر الثمن من تركته للتعليل الذي ذكره . وقد نص الشافعي - رحمه الله - على ذلك في كتاب الإقرار بالحكم الظاهر وإنما قال الشافعي هاهنا : كان ماله موقوفا يعني في استحقاقه إرثا .

والوجه الثاني : لا يستحق المشتريان من ثمنه شيئا ونسب قائل هذا الوجه المزني إلى الخطأ في قوله تعليلا بأن ما بذله المشتريان فدية تطوعا بالتقرب إلى الله تعالى بها فلم يجز لهما بعد التطوع الرجوع بها وهذا التعليل من قائله خطأ مع وجود النص بخلافه ؛ لأن مشتري الأسير من المشرك متطوع بما بذل من ثمنه على وجه الفدية ثم له ارتجاعه إذا قدر عليه ولو غنم المال من يد المشرك لم يملكه الغانم منه ؛ لأنه مال لمسلم .

قال الشافعي - رضي الله عنه - : ولو أسلم المشرك ، والمال في يده كان عليه أن يرده ولباذله أن يأخذه فكذا ما بذله المشتريان وإن كان تطوعا منهما يجوز لهما ارتجاعه مع التطوع به ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية