الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : ( قال ) والصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض ثم إذا ذهب ذلك اغتسلت وصلت " .

قال الماوردي : وهذا صحيح .

وقال أبو يوسف ومحمد : الحمرة والصفرة حيض ، فأما الكدرة فليست حيضا إلا أن يتقدمها سواد ، وهذا خطأ ، بل كل ذلك حيض تقدمه سواد أم لا ، لما روي عن عائشة أنها قالت : كنا نعد الصفرة والكدرة في أيام ألحيض حيضا ولأن كلما كان حيضا عند تقدم غيره كان حيضا ، وإن انصرف عن غيره كالصفرة والحمرة .

فصل : فإذا ثبت أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض ، فقد اختلف أصحابنا في مراد الشافعي بقوله " أيام الحيض حيض " فقال أبو سعيد الإصطخري : يعني : في أيام العادة ، فإن تجاوزت أيام العادة لم يكن حيضا ، وبه قال أبو إسحاق في قديم أمره . وذهب سائر أصحابنا إلى أنه أراد في الأيام التي يمكن أن تكون حيضا وهي الخمسة عشر ، وإن تجاوزت أيام العادة ورجع إلى هذا القول أبو العباس في آخر أيامه ، وقال : كنت أذهب إلى القول الأول حتى وجدت للشافعي في كتاب العدد أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض ، وسواء كان لها أيام قبل ذلك أو لم يكن فجعل حكم المبتدأة ، وذات الحيض سواء ، قال أبو إسحاق : والأول أصح في القياس لولا ما وجدناه عن الشافعي : واستدل من جعل الصفرة والكدرة حيضا في أيام العادة دون ما جاوزها من الخمسة عشر يوما برواية أم الهذيل عن أم عطية . وكانت بايعت النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئا يعني بعد أيام العادة ، قال : ولأن حكم الحيض ثبت بأحد معنيين .

[ ص: 400 ] أما وجود شاهد فيه وصفة محلة وهو السواد أو مصادمة أيام العادة ، فلما تجاوزت أيام الصفة بتغيره إلى الصفرة والكدرة ، وتجاوزت أيام العادة علم أنه ليس بحيض ، لفقد العلم الدال عليه .

والدليل على استواء حكم في أيام العادة وغيرها من أيام الحيض برواية علقمة بن أبي علقمة أن النساء كن يرسلن إلى عائشة بالدرجة فيها شيء من الصفرة ، فتقول لهن : لا تصلين حتى ترين القصة البيضاء ، فدل إطلاقها على استواء الحكم في الحالين ، ولأن التمييز والعادة معنيان يعتبر بهما الحيض عند إشكاله ومجاوزة أيامه ، ثم كانت العادة غير معتبرة في الحيض إذا لم تجاوز أكثر أيامه ، وجب أن يكون تمييز الصفرة والكدرة غير معتبر فيه ما لم يجاوز أكثر أيامه ، ولأن المني هو الثخين الأبيض وقد يتغير إلى الصفرة والرقة لعلة تحدث ، ثم لا يختلف حكمه باختلاف لونه ؟ كذلك ما يرخيه الرحم من الدم لا يختلف حكمه في أيامه باختلاف لونه فأما حديث أم عطية فوارد فيما وجد في الطهر ، والطهر ما تجاوز أيام الحيض ، وأما استدلاله بأن اعتبار الحيض بمعنيين فيقال : وبمعنى ثالث ، وهو وجوده في زمان يجوز أن يكون حيضا .

التالي السابق


الخدمات العلمية