الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : ودليلنا على ذلك من سبعة أوجه :

أحدها : - قوله تعالى - : يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ، [ النساء : 11 ] .

[ ص: 89 ] فأثبت الميراث للابن فإذا لم تثبت البنوة لم يثبت الميراث .

والدليل الثاني : أن النسب يوجب التوارث بين المتناسبين فيرث به ويورث فلما لم يرث بهذا الإقرار لم يجز أن يورث به .

ويتحرر من اعتلال هذا الاستدلال قياسان :

أحدهما : أنه إرث مستحق بنسب فوجب أن ينتفي مع انتفاء النسب كإرث المقر .

والثاني : أنه إقرار بنسب يمنع من أن يستحق به إرثا فوجب أن يمنع من أن يلتزم به إرثا كالإقرار بمعروف النسب .

والدليل الثالث : أن ثبوت النسب بالإقرار قد يمتنع تارة من جهة المقر إذا لم يكمل عدد جميع الورثة ، وتارة من جهة المقر به إذا أنكر الإقرار فلما كان انتفاء النسب بإنكار المقر به يمنع من استحقاق الإرث وإن طلبه وجب أن يكون انتفاء النسب بعدم اجتماع الورثة يمنع من استحقاق الإرث وإن طلبه .

ويتحرر من اعتلال هذا الاستدلال قياسان :

أحدهما : أنه إقرار مفرد يعتبر إقراره بغيره فوجب أن يسقط حكمه كإقرار المدعي وحده .

والثاني : أنه إقرار لم يثبت فيه نسب فوجب أن لا يستحق به إرث كالإقرار بمنكر .

والدليل الرابع : أن اختصاص المقر بإقراره أولى من تعديه إلى غيره فلما لم يستحق بهذا الإقرار ميراث المقر لو مات فأولى أن لا يستحق بما ورثه المقر . ويتحرر من اعتلال هذا الاستدلال قياسان :

أحدهما : أنه إقرار يسقط حكمه في المقر فأولى أن يسقط حكمه في غير المقر كإقرار الصغير .

والثاني : أنه إقرار رد في النسب فوجب أن يرد في الإرث قياسا على الإرث من تركة المقر .

والدليل الخامس : أن لصحة الإقرار ولزومه حكمين :

أقواهما : ثبوت النسب الذي هو أصل .

وأضعفهما : استحقاق الميراث الذي هو فرع .

[ ص: 90 ] لأن النسب قد ثبت مع عدم الميراث ، ولا ينتفي النسب ويكمل الميراث ، فلما انتفى ثبوت النسب عن هذا الإقرار فأولى أن ينتفي عنه ثبوت الميراث ويتحرر منه قياسان :

أحدهما : أنه أحد حكمي إقرارهما فوجب أن لا يثبت بإقرار أحدهما كالنسب .

والثاني : أن ما منع النسب منع الإرث كالسن إذا استوى فيها الميت ، والمدعي .

والدليل السادس : أن الميراث مستحق بالإقرار تارة وبالبينة أخرى فلما كانت شهادة أحد الشاهدين يمنع من استحقاق الميراث بشهادته وجب أن يكون إقرار أحد الوارثين يمنع من استحقاق الميراث بإقراره .

وتحريره أن كل شخصين استحق الميراث بقولهما لم يجز أن يستحق بقول أحدهما كالشاهدين .

والدليل السابع : أنه مال يقتضي ثبوته ثبوت سببه فلم يجز إثباته إلا بإثبات سببه .

أصله أنه إذا أقر أنه اشترى عبد زيد بألف وأنكر لم نقض عليه بالألف .

فأما الجواب عن استدلالهم الأول بأنه إقرار تضمن شيئين فلزم فيما عليه ورد فيما له فبطلانه بمعروف النسب ؛ لأنه لو تميز أحدهما عن الآخر في مجهول النسب لتميز في معروف النسب وكان يستحق الميراث وإن كان منكر النسب وكان لا يقتضي قسمته على المواريث المستحقة بالنسب ، وفي كل هذا دليل على اتصاله بالنسب وعدم انفصاله عنه .

ثم نجيب عن كل أصل جعلوه شاهدا ، أما قوله لعبده بعتك نفسك ولزوجته ( خالعتك ) فإنما لزمه عتق عبده وطلاق زوجته ؛ لأن العتق والطلاق ينفرد عن استحقاق العوض ، والميراث لا ينفرد عن ثبوت النسب ، وأما قوله لزوجته أنت أختي من الرضاعة فإنما وقعت به الفرقة ولزمه التحريم ؛ لأنه لم يدع لنفسه في مقابلة ذلك حقا ثبت لثبوته فلذلك لزمه وفي إقراره بالنسب قد ادعى لنفسه بذلك حقا ؛ لأن الناس يورثون من حيث يرثون فلما لم يرث لم يورث .

وأما مدعي البيع في استحقاق الشفعة عليه فقد اختلف أصحابنا على ما سنذكر شرحه فمنهم من قال : لا شفعة ، فعلى هذا يسقط الاستدلال به ومنهم من أوجب الشفعة وهو ظاهر قول الشافعي ، فعلى هذا الفرق بينهما أن ما ادعاه البائع من الثمن على المشتري قد حصل له من جهة الشفيع فلزمه التسليم لحصول ما ادعاه من الثمن ، ولم يحصل للمقر بالنسب ميراث المدعي فلم يثبت إقراره للمدعي حقا .

وأما الجواب عن استدلالهم الثاني بأن ما أوجبه النسب من العتق والتحريم قد يثبت مع انتفاء النسب فكذلك الميراث من وجهين :

[ ص: 91 ] أحدهما : أنه لما جاز أن يقع العتق والتحريم من غير جهة النسب جاز أن يثبت وإن لم يثبت النسب . ولما أن لم يجز أن يستحق الميراث بغير النسب لم يجز أن يثبت إذا لم يثبت النسب .

والثاني : أنه في إقراره بالعتق لا يدعي لنفسه في مقابلة ذلك حقا فلزمه وفي الميراث يدعي لنفسه في مقابلة ذلك ميراثا لم يحصل له فلم يلزمه .

وأما الجواب عن استدلالهم الثالث في الإقرار بالزوجية فلأصحابنا في الزوجية إذا أقر بها بعض الورثة وجهان :

أحدهما : لا يستحق عليه إرثا ، فعلى هذا يستوي الإقرار بالنسب ، والزوجية فيسقط الاستدلال .

والثاني : أنها يستحق به على المقر إرثا ، فعلى هذا الفرق بين الزوجية ، والنسب من وجهين :

أحدهما : أن الزوجة ترث بعد ارتفاع الزوجية بالموت فجاز أن ترث مع عدم ثبوت الزوجية ، والمناسب لا يرتفع نسبه بالموت فلم يجز أن يرث مع عدم النسب .

والثاني : أنه في الإقرار بالزوجية لا يدعي لنفسه في مقابلة إقراره بميراثها ميراثا لنفسه منها فلزمه إقراره ، والمناسب بخلافه .

وأما الجواب عن استدلالهم الرابع في الدين في لزوم المقر فسقط منه في الوجهين الماضيين :

أحدهما : أنه ينفرد عن النسب .

والثاني : أنه لا يراعي لنفسه في مقابلته حقا .

التالي السابق


الخدمات العلمية