الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا صح بما ذكرنا من ثبوت النسب بإقرار الورثة فالأنساب ضربان :

ضرب لا يدخل بين المتداعيين له وسيط في لحوقه ، وضرب يدخل بين المتداعيين وسيط في لحوقه .

فأما الضرب الأول وهو ما لا يدخل بين متداعييه وسيط في لحوقه فشيئان :

أحدهما : الابن في ادعاء البنوة .

والثاني : الأب في ادعاء الأبوة .

لأن لحوق أنسابهما مباشرة لا يتفرع عن أصل يجمع بين النسبين ، ولا يدخل بينهما وسيط في لحوق المتداعيين ، والأولى في ادعاء مثل هذا النسب إن كان الابن هو المدعي أن يقول لمن ادعاه أبا : أنا ابنك ، ويقول الأب لمن ادعاه ابنا : أنت ابني ؛ لأن النسب يرجع إلى الأب فأضيفت الدعوى فيه إليه فلو قال الابن : أنت أبي ، وقال الأب أنا أبوك ، صحت الدعوى حكما وإن فسدت اختيارا ؛ لأن في كل واحد من الأبوة ، والبنوة دليل على الآخر .

وإذا كان كذلك فلا يخلو إما أن يكون المدعي هو الأب ، أو الابن .

فإن كان المدعي هو الابن فلا تسمح دعواه بعد أن يكون من أهل الدعوى بالبلوغ ، والعقل إلا بشرطين مضيا .

أحدهما : جهالة النسب .

[ ص: 96 ] والثاني : جواز أن يولد مثله لمثله .

وبشرط آخر في الأب المدعي وهو العقل الذي يصح معه الإقرار ، إلا أن يكون للابن بينة فتسمع دعواه وإن كان الأب مجنونا .

فإذا كملت هذه الشرائط الأربع : ثلاثة منها فيه وهو :

أن يكون من أهل الدعوى .

وأن يكون مجهول النسب .

وأن يجوز ولادة مثله لمثله .

ورابع في الأب وهو أن يكون ممن تصح عليه الدعوى .

سمعت حينئذ وسئل الأب عنها فإن أنكره فعليه اليمين فإن حلف الأب على إنكاره انتفى عنه ، ولم يكن لأحد من عصبات الأب أن يقر بنسبه سواء كان الأب حيا ، أو ميتا لبطلان النسب بيمين الأب . وإن اعترف الأب بدعواه وأقر ببنوته لحق به وصار ولدا له صحيحا كان عند الإقرار ، أو مريضا ، صدقه العصبة ، والورثة عليه ، أو لأخ سواء كان الابن ممن يرث باجتماعهما على الحرية ، والدين ، أو كان غير وارث لاختلافهما برق ، أو في دين ، حجب الورثة ، أو لم يحجبهم : فلو عاد الأب بعد إقراره فأنكره فإن لم يتابعه الابن على الإنكار ونفي النسب وأقام على الدعوى فهو على نسبه في اللحوق به يرثه إن مات ويرث سائر عصباته .

وإن تابعه الابن على الإنكار وصدقه على نفي النسب فإن كان الفراش معروفا لم ينتف النسب باجتماعهما على نفيه ، وإن كان الفراش مجهولا فالنسب ملحق بالإقرار المتقدم وفي رفعه باجتماعهما على نفيه وجهان حكيناهما :

أحدهما : وهو قول أبي علي الطبري وطائفة ينتفي النسب وترتفع الأبوة .

والوجه الثاني : وهو قول أبي حامد الإسفراييني وطائفة أن النسب على ثبوته لا يرتفع وإن اجتمعا على نفيه كما لا يجوز ارتفاع ما ثبت بالفراش المعروف وإن اجتمعا على نفيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية