الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : وإن لم ينفصل دمها بما وصفت لك فتعرفه وكان مشتبها نظرت إلى ما كان عليه حيضها فيما مضى من دهرها فتترك الصلاة للوقت الذي كانت تحيض فيه ، وهذا صحيح ، وهو القسم الثاني من أقسام المستحاضة وهي المعتادة .

وصورتها : في امرأة استمر بها الدم حتى يجاوز خمسة عشر يوما ، وكله لون واحد ، لا يتميز بعضه عن بعض ولها عادة سالفة في حيضها ، فوجب أن ترد إلى عادتها السالفة ، وقال مالك لا اعتبار بالعادة استدلالا بحديث فاطمة بنت أبي حبيش أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : إذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف ، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما هو عرق فردها إلى التمييز ولم تعتبر العادة قال : ولأن الدم قد يوجد في غير أيام العادة فيكون حيضا ، وتوجد أيام العادة بغير دم ، فلا يكون حيضا ، فلم يكن للعادة تأثير .

ودليلنا حديث أم سلمة قوله صلى الله عليه وسلم لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتترك الصلاة ، قدر ذلك من الشهر ، فدل على اعتبار العادة وروى أبو اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتصلي حتى أيام حيضها " وروى العلاء بن المسيب عن الحكم بن جعفر أن سودة استحيضت فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مضت أيامها اغتسلت وصلت .

فدلت هذه الأحاديث الثلاثة على اعتبار العادة ، ولأن الحيض يتعلق بدم وأيام فجاز أن يرجع إلى الأيام عند إعواز الدم كالعدة تنتقل عن الأقراء إلى الشهور .

[ ص: 402 ] فأما حديث فاطمة بنت أبي حبيش فمستعمل في المميزة : لأنه لا يجوز أن يأمر بالتمييز لمن لا تمييز لها ، وحديث أم سلمة مستعمل في المعتادة التي لا تمييز لها فيستعمل كل واحد من الحديثين في موضعه .

وأما ما ذكرنا من الاستدلال بأن أيام العادة لا تكون حيضا ، فإن عنى إذا خلت من الدم ، فصحيح ، وإذا أراد إذا اقترن بها الدم ففاسد ، وهذه أيام عادة قارنت دما فلم يسلم للاستدلال .

التالي السابق


الخدمات العلمية